عقود المسجد التي تلي رحبته من جهة المشرق وسقف الرواق الذي كان عليها ؛ لاقتضاء نظرهم ذلك ، ونقضوا بعض أساطينه فوجد بعضها لا رصاص فيه ، وبعضها فيه رصاص ، ثم أعادوا ذلك في سنتهم ، وهدموا أيضا جانبا من سور المسجد الشريف مما يلي المشرق من جهة المنارة الشرقية المعروفة بالسنجارية من باب سلّمها ، وهو الباب الثاني جوف بابها الظاهر ، إلى ما يوازي حرف الدكاك من القبلة ، وذلك آخر المسقف الشامي ، ومقدار ذلك سبعة وعشرون ذراعا بذراع اليد المتقدم وصفه ، هدموا ذلك من أعلاه إلى أسفله ، وبلغوا به دك الأس القديم ، وظهر في أصل جدار المنارة المذكورة انشقاق وكانت تضطرب عند الهدم بحيث خشي سقوطها ، فسكبوا في ذلك الشق كثيرا من الجص المذاب حتى امتلأ ، وكان ما هدموه من سور المسجد وعقوده مبنيا بالجص السكب ، فذكر مهندس العمارة أن الجدار إنما اختل لأن السباخ له تأثير في إذابة الجص ، واقتضى رأيه أن يؤسسه بالطين والنورة المخلوطة بناعم الحصباء ، ففعلوا ذلك في الجدار المذكور كله وفي العقود المذكورة أيضا ، وكحلوا أطراف وجوه الأحجار بالجص من داخل المسجد وخارجه ، ورفعوا السقف الكائن أمام المنارة المذكورة إلى جنب ما هدموه من الجدار المذكور ، وأعادوا ذلك من سنتهم أيضا. ثم اتفقت أمور اقتضت تأخير العمارة ، فتعطلت في سنة ثمانين. ثم ورد الخواجا الشمسي ابن الزمن إلى المدينة الشريفة صحبة أمير جدة في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وأقام لمباشرة العمارة بنفسه ، فرفعوا سقف الروضة الأعلى وما اتصل به مما حول القبة الزرقاء الآتي ذكر عملها بأعلى الحجرة الشريفة في سقف المسجد الأعلى ، ورفعوا أيضا شيئا مما يلي ذلك من جهة ما يوازي غربي المنبر الشريف لتكسر كثير من أخشابه ، وكان ذلك السقف مع بقية سقف مقدم المسجد على عبارات من خشب موضوعة على أبنية فوق رءوس السواري بعرض تلك السواري ، كما أن السقف الأسفل المشاهد مما يلي المسجد موضوع على عبارات كذلك فوق رءوس السواري ، فاقتضى رأي متولى العمارة إبدال تلك الأخشاب بعقود من آجر كهيئة القناطر التي حول رحبة المسجد ، ورأى أن ذلك أبقى وأحكم من الأخشاب ، مع أن عبارات السقف الأسفل كما قدمناه على رءوس السواري بأصل تلك العقود ، ولكنه رأى الإحكام في ذلك ، ففعله في القطعة التي رفعها من السقف المذكور فقط ، ووضع أخشاب ذلك السقف على تلك القناطر ، فارتفع بسببه ذلك المكان من السقف الأعلى على بقية ما حوله منه ، وصار الماشي بين السقفين في تلك الجهة يمشي منتصبا أو منحنيا قليلا ، وكان لا يتأتى قبل ذلك المشي هناك إلا مع انحناء كثير ، وتلك القناطر موضوعة على ما يحاذي صف الأساطين التي هي قبلة الروضة والمصلى الشريف من أولها ومن جهة المشرق إلى الأسطوانة التي تلي المنبر من جهة المغرب وعلى ما يحاذي الصف الثاني وهو صف أسطوان عائشة