المواسم ؛ فإنه مع هذا الاتساع ينخنق المكان بالخلق ، فكيف لو ضيق بحيث يتصل الدرابزين بجدار الحجرة؟ لا يقال : إنه كان يتسع من جهة المشرق للزائرين ؛ لأن الناس إنما يقصدون هذه الجهة لكون الرأس الشريف هناك ، وليكون الابتداء بالتسليم على النبي صلىاللهعليهوسلم دون أن يتخطوا الشيخين رضياللهعنهما ، فتأمل ذلك فإنه صحيح. قال : وهذه الكيفية لا مزيد عليها في الحسن ، ولم يتعطل شيء من الروضة بسبب ذلك ، بل بسبب كسل المصلين ، وقد رأيت جماعة من الخدام يصلون داخل الدرابزين أيام الجمعة ، انتهى.
قلت : وما ذكره صحيح بالنسبة إلى زمنه ؛ فإن الباب المذكور كان مفتوحا في سائر الأوقات. وقد نبه على ذلك ابن جماعة في منسكه ، محاولا غلقه في المواسم فقط ، فقال : إن هذا الدرابزين حجر طائفة من الروضة الشريفة مما يلي بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، وصار ما بين الحجرة والدرابزين مأوى للنساء بأولادهن الصغار في أيام المواسم ، وربما قذر الصغار فيه ، وقد تحدثت مع الملك الناصر رحمهالله لما حج وزار سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في غلق الدرابزين أيام الموسم ، فسكت لما ذكرته ، ولم يجبني بشيء ، وهذا من أهم ما ينظر فيه ، انتهى. فحدث بعد ذلك غلق الأبواب كلها دائما ، ولا يفتح منها شيء إلا في وقت إسراج القناديل ونحوه ، ولا يدخل لذلك إلا بعض الخدام والفراشين أو بعض من له وجاهة بإذن شيخ الخدام ، فيدخل للزيارة ليلا ، وتحقق بسبب ذلك تعطيل تلك البقعة ، وحرم الناس التبرك بأسطوان السرير ؛ فإن محله في شرقي أسطوانة كما تقدم ، وكذلك الوقوف للزيارة في موقف السلف بينها وبين الحجرة الشريفة أو على نحو أربع أذرع من جدار القبر على ما يأتي بيانه ، وكذلك التبرك بمربّعة القبر ومقام جبريل كما قدمناه ، وبيت فاطمة رضياللهعنها ، فإن ذلك كله في جوف المقصورة ، بل كانت هذه المقصورة سببا لما هو أعظم من ذلك وأطم ، وهو ابتناء دعائم القبة المتقدم ذكرها بأرضها ، فإنها صارت عند العوام بل وعند من لا إحاطة له بأحوال المسجد أنها ليست من المسجد ، بل من الحجرة ، فعاملوها معاملة غير المسجد ، ولما وقعت المفاوضة في عملها صرّحت بتحريم ذلك ، فأشار بعضهم بعمل القبة المذكورة على رءوس الأساطين من غير بناء ، ثم رجعوا عن ذلك وأنا غائب بمصر.
وسبب غلق الأبواب المذكورة أن النجم بن حجي قاضي الشام لما حج في الموسم الشامي رأى ازدحام الناس بذلك المحل وما أشار إليه ابن جماعة فيما تقدم عنه ، فأفتى بغلقها ،
وخالفه الولي العراقي عند قدومه مع الحاج المصري فأفتى بفتحها. وأخبرني بعض مشايخ الحرم أن ذلك كان في سنة اثنين وعشرين وثمانمائة وأن الحال استمر على ما أفتى به الولي العراقي ، فلما ولي النجم بن حجي ديوان الإنشاء تسبب في بروز المراسيم السلطانية