بالأمر بالغلق سنة ثمان وعشرين ، واستمر ذلك إلى اليوم ، كذا أخبرني به بعض مشايخ الحرم. ورأيت حاشية على كلام المجد بخط الحافظ جمال الدين بن الخياط اليمني ، ولفظها : ومما أحدث في دولة الملك الأشرف برسباي صاحب مصر والشام بعد الثلاثين وثمانمائة سمرت أبواب الدرابزين المذكور ، وصار الناس يزورون من وراء الدرابزين من غير دخول أحد إلى الحجرة الشريفة ، قصدوا بذلك زيادة الحرمة ، وتنزيه المشهد الشريف عن كثرة اللامسين بالأيدي وغيره ؛ فإن كثيرا من جهال العرب وغيرهم يلصقون ظهورهم بصندوق القبر الشريف وجداره ، قاصدين بذلك التبرك ، والخير كله في استعمال الأدب ، انتهى.
قلت : والصواب المتعين وجوب فتح بعض تلك الأبواب ، خصوصا في غير أيام الموسم ، وليس الطريق في إزالة المفسدة المذكورة غلق تلك الأبواب وتعطيل تلك البقعة ، بل وقوف الخدام عند ذلك المحل ، ومنع من يتعاطى فيه ما لا يليق بالأدب ، على أن ذلك لم يحسم المادة ؛ لأن تلك الأمور ـ أعني لمس الجهال ووضعهم الظهور ـ يفعل اليوم بهذا الدرابزين ، ولا شك أن الجدار الذي كان يفعل به ذلك ليس هو نفس القبر ، بل ولا جدار الحجرة كما قدمناه ، بل جدار آخر دائر به ، كما أن هذه المقصورة دائرة به ، فإن كان ذلك يقتضي تعطيل ذلك المحل ، فليعطل من أجله المسجد بأجمعه ، وتعطيل المسجد أو شيء منه حرام فلا يرتكب لدفع مكروه مع إمكان دفعه بغيره ، وما يقال من أنه ربما وجد في بعض المواسم هناك قذر ؛ فقد كان شيخنا شيخ الإسلام فقيه العصر شرف الدين المناوي يقول في جوابه : لا شك أن ذلك المحل من المسجد ، فإن كان وجود القذر فيه مقتضيا لتعطيله وصيانته بالغلق فليغلق المسجد بأجمعه ، فإن حكم الكل واحد من حيث وجوب صونه واختصاص ما تقرب من المحل الشريف بمزيد التعظيم حاصل بالجدار الكائن عليه ، وطريق التعظيم المنع من ذلك كما قدمناه ، على أن لمس جدار القبر وتقبيله ليس مما أجمع على كراهته كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في باب الزيارة.
ولما قدم مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي أعز الله أنصاره المدينة الشريفة للزيارة سنة أربع وثمانين وثمانمائة واجتمعت به بالروضة الشريفة أردت أن أتكلم معه في فتح بعض تلك الأبواب في غير أيام الموسم ، فرأيته قد تعاظم دخول هذه المقصورة لما عرض عليه ذلك. وقال : لو أمكنني الوقوف للزيارة في أبعد من هذا الموضع فعلت ، ورأى أن ذلك هو التعظيم ، فعلمت أنه لا يوافق على ما أريده ، والله أعلم.