ولما نزعوا القائم العتيق وما تحته من الصندوق وجدوا ما تحت ذلك من أحجار الأسطوانة المذكورة متشطبا ، وأحجارها قطع مجوفة كالخرز ، وكذا كل أساطين المسجد العتيقة ، وفي جوفها الرصاص وعمد الحديد ، وأهل المدينة يسمون كل قطعة منها خرزة ، ويسمونها أيضا فلكة ، فاقتضى رأيهم تعميق ما على رأس الأسطوان المذكور من أخشاب السقف ، فجعلوا مرمة من الأخشاب حول الأسطوان المذكور ليكسروا الخرز المشقق من ذلك الأسطوان ، وهن ست ، ثم يعلقون ما صح من الأسطوان إلى أن يدخلوا مكان ذلك بدله ، ثم شرعوا في كسر تلك الخرز ونزعها ، فتعسر ذلك عليهم ، وحصل بسببه دق عنيف ، حتى كانت جدران الحجرة تهتز له لاتصالها بالأسطوان المذكور ، فحصل بسبب ذلك كلام من الناس ، ولكن بعد كسر بعض الخرز وإخراجه ، وكانوا يعالجون في إخراج الرصاص أيضا علاجا أعظم من العلاج في الحجر ، فعقدوا مجلسا ، وطلبني متولي العمارة للحضور فيه ، فترددت لأنه بلغني أن بعض الناس أوغر صدره مني وقرر عنده أني حريص على ألّا تكون هذه العمارة على يده ، وكنت أرى منه محبة وميلا ثم تنكر بعض التنكر ، وعلمت أن الرجوع عن إصلاح الأسطوانة المذكورة غير ممكن لكسر بعضها وإخراجه ، فعلمت فوات وقت النظر ، فأجبت الرسول بذلك ، ولم أحضر معهم مع علمي بأن بعض أهل المجلس كان مغري بمخالفة ما أشير به ، وإن كان في غاية الوضوح ، سامحه الله ، ثم افترقوا على إتمام ذلك ، فمكثوا أياما يعالجونه حتى تم ، وأعادوا مكان تلك الخرزات الست مثلها من خرز أسطوان نقضوه من أساطين مسجد قباء ، فكان ذلك بقدر تلك الخرز سواء ، وأحكموا إعادتها بالرصاص وعمد الحديد أحسن إحكام.
وقد كنت أستبعد قدرتهم على ذلك ، وأتعجب من قيام بقية الأسطوان من أعلاه ، مع رفع أسفله ، وكونه كالجبل من الحجر والرصاص ، ولكن ساعدهم المدد المحمدي في ذلك مع حسن معرفة المعلم المباشر لسبك الرصاص.
ثم كان ما تقدم من إعادة الصندوق المذكور والقائم فوقه إلى محلهما ، ونقض الرخام المؤزّر به جدار الحجرة الظاهر وتجديده كما تقدم ، وعند قلع رخام الصفحة الآخرة من الزاوية الشمالية إلى الصفحة الشرقية مع ما يليها من صفحة المشرق عند منعطفها ظهر الشق المتقدم ذكره وهو انشقاق قديم سدّ الأقدمون خلله بكسر الآجر وأفرغوا فيه الجص وبيضوه بالقصّة فانشق البياض من رأس وزرة الرخام إلى رأس الجدار المذكور ، فأرادوا اختبار ما تحت البياض ليعلموا قدره ، فقشروا البياض عنه ، وأخرجوا ما في خلله من الجص والآجر ، فظهر من خلله بناء الحجرة المربع الذي هو جوف البناء المخمس المذكور فظهر منه ملتقى حائطه الشامي وحائطه الشرقي ، وظهر هناك شق أيضا في جدار الحجرة الداخل عند ملتقى