الجدارين المذكورين تدخل اليد فيه ، وهو قديم أيضا ، وقد سدّه المتقدمون ، ثم اتّسع قليلا على دوام الأيام.
فلما كان عشية السبت ثالث عشر شعبان عقدوا مجلسا في جوف المقصورة عند الجدار المذكور ، حضره القضاة والمشايخ والخدام وشيخهم الأمير إينال ، وطلبوني لذلك المجلس ، فترددت في الحضور لما قدمته ، ثم توضأت وصليت صلاة الاستخارة وسألت الله أن يلهمني السداد والصواب ، وحضرت فوجدت الأمر قد اتفق عليه ، وشاهدت ما قدمته من وصف ذلك ، ورأيت على ذلك البناء الداخل من الهيبة والأنس ما لا يوصف ولا يدرك إلا بالذوق ، وتحرر لي أن سبب انشقاق الجدار الظاهر انشقاق الجدار الداخل وميلانه نحو الجدار الظاهر وكأن الأقدمين لما رأوا انشقاق الجدار الداخل ـ ولعل رؤيتهم لذلك والله أعلم عقب الحريق عند ما أحدثوا السقف المتقدم وصفه على الحجرة الشريفة ـ أدعموا الجدار الداخل بأخشاب جعلوها بين الجدار الداخل والخارج عند رأسهما في شرقي الحجرة ، فمال الجدار الظاهر من أعلاه بحيث صار أعلاه لا يوازي أسفله ، وخرج بسبب ذلك عن الاستقامة ، فحدث فيه الشق المذكور ، ورأيت الحاضرين بين ساكت ومشير ، فترجح عندي سلوك رأي ابن عباس رضياللهعنهما في أمر الكعبة ، حيث أشار بترميمها فقط ، ورأيت أن ما يطلب هنا من الأدب أوجب مما يطلب هناك ، فحاولت إدعام البناء الظاهر ببناء ، فلم أوافق عليه ، فسألت مهندس العمارة ـ وكان أعرف الحاضرين بهذا الأمر ـ هل تحققت الآن إشراف هذا الجدار على السقوط وأنه لا يتأتى تأخيره ، أم يحتمل التأخير مدة إذا رمّ بالجص والآجر كما كان أوّلا فيؤخر إلى أن يصير غير محتمل للتأخير ؛ فإنه لا يفعل هنا إلا ما تدعو إليه الضرورة في الحال؟ فقال : الترميم شيء وقطع الفرط شيء آخر ، ثم سأل متولي العمارة عن كيفية ما يكتب ليطالع به المسامع الشريفة ، فقال له القاضي الزكوي قاضي الشافعية وأحد الناظرين سامحه الله تعالى : سرّح العمال غدا للهدم وكتابة المحضر علينا ، وخافت متولي العمارة بالإنكار عليه في إحضاري ، وحثّه على الإعراض عن كلامي.
ثم إن متولي العمارة ذكر لي أنه رأى رؤيا فهم منها الهدم ، فصمّم عليه ، ورأيت عنده من شجاعة الجنان وثبات الجأش في هذا الأمر ما لا يوصف ، وبلغني أن بعض الناس ذكر له أن ما سبق من كلامي دليل على ما كان قد ألقاه إليه من حرصي على ألّا تكون هذه العمارة على يده ، وأن لا يفوز بهذه المنقبة العظيمة التي لم يسبق إليها ، ومن يسمع يخل ، ولكني أشهد الله ورسوله على أني لم أرد سوى محض الوفاء بما أوجبه الله علينا من الأدب مع حبيبه صلىاللهعليهوسلم ومن بدل النصيحة.
ثم في صبيحة الرابع عشر من شعبان المذكور شرعوا في هدم المحل الشريف المتقدم