الوزير عند وقوع الرؤيا المذكورة ، لاحتمال أنه وزر له بعد ذلك أو قبله ، وجمال الدين الموصلي هذا هو الجواد الأصفهاني ، وقد تقدم ذكره في ترخيم الحجرة ، ووصفه بأنه وزير بني زنكي ؛ لأنه كان وزير والد نور الدين الشهيد الذي هو زنكي ثم وزر لولده غازي ، وأدرك دولة نور الدين الشهيد وزمان هذه الواقعة ؛ فالظاهر أنه وزر له ، وأنه المراد في هذه الواقعة.
والعجب أني لم أقف على هذه القصة في كلام من ترجم نور الدين الشهيد مع عظمها ، وهي شاهدة لما ذكره الإمام اليافعي في ترجمته من أن بعض العارفين من الشيوخ ذكر أنه كان في الأولياء معدودا من الأربعين وصلاح الدين نائبه من الثلاثمائة ، انتهى.
وقال ابن الأثير : طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا ، فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين ، انتهى.
وقد اتفق بعد الأربعمائة من الهجرة ما يقرب من قصة رؤيا نور الدين الشهيد المتقدمة على ما نقله الزين المراغي عن تاريخ بغداد لابن النجار ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن المبارك المقري ، عن أبي المعالي صالح بن شافع الجلي ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمد المعلم ، ثنا أبو القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر ، وزيّن له ذلك ، وقال : متى تم لك ذلك شدّ الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر ، وكانت منقبة لسكانها ، فاجتهد الحاكم في مدة وبنى بمصر حائزا ، وأنفق عليه مالا جزيلا. قال : وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف ، فلما وصل إلى المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ما جاء فيه ، وحضر معهم قارئ يعرف بالزلباني ، فقرأ في المجلس (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) إلى قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١٢ ـ ١٣] فماج الناس ، وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند ، وما منعهم من السرعة إلى ذلك إلا أن البلاد كانت لهم.
ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم : الله أحق أن يخشى ، والله لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع ، وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية ، فما انصرف النهار ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من قوتها حتى دحرجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض ، وهلك أكثرها وخلق من الناس ، فانشرح صدر أبي الفتوح وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره من امتناع ما جاء فيه.