قلت : ونقل ابن عذرة في كتاب «تأسي أهل الإيمان ، فيما جرى على مدينة القيروان» لابن سعدون القيرواني ما لفظه : ثم أرسل الحاكم بأمر الله إلى مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم من ينبش قبر النبي ، فدخل الذي أراد نبشه دارا بقرب المسجد وحفر تحت الأرض ليصل إلى قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فرأوا أثوارا ، وسمع صائح : إن بنيكم ينبش ، ففتش الناس فوجدوهم وقتلوهم ، انتهى.
ومما يناسب ذلك ما ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة في فضائل العشرة ، قال : أخبرني هارون بن الشيخ عمر بن الزعب ـ وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاة والعبادة ـ عن أبيه ، وكان من الرجال الكبار ـ قال : كنت مجاورا بالمدينة وشيخ خدام النبي صلىاللهعليهوسلم إذ ذاك شمس الدين صواب اللمطي ، وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء والشفقة عليهم ، وكان بيني وبينه أنس فقال لي يوما : أخبرك بعجيبة ، كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمس حاجتي إليه ، فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال : أمر عظيم حدث اليوم ، قلت : وما هو؟ قال : جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير بذلا كثيرا ، وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة وإخراج أبي بكر وعمر رضياللهعنهما منها ، فأجابهم إلى ذلك ، قال صواب : فاهتمت لذلك هما عظيما ، فلم أنشب أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه ، فأجبته ، فقال لي : يا صواب يدقّ عليك الليلة أقوام المسجد ، فافتح لهم ، ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ، ولا تعترض عليهم ، قال : فقلت له : سمعا وطاعة ، قال : وخرجت ولم أزل يومي أجمع خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة ولا يشعر أحد ما بي ، حتى إذا كان الليل وصلينا العشاء الآخرة وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب فلم ننشب أن دقّ الباب الذي حذاء باب الأمير ، أي باب السلام ، فإن الأمير كان سكنه حينئذ بالحصن العتيق.
قال : ففتحت الباب ، فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد ، ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر. قال : وقصدوا الحجرة الشريفة ، فو الله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات ، ولم يبق لهم أثر. قال : فاستبطأ الأمير خبرهم ، فدعاني ، وقال : يا صواب ألم يأتك القوم؟ قلت : بلى ، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت ، قال : انظر ما تقول ، قلت : هو ذلك ، وقم فانظر هل ترى منهم باقية أو لهم أثرا ، فقال : هذا موضع هذا الحديث ، وإن ظهر منك كان يقطع رأسك ، ثم خرجت عنه ، قال المحب الطبري : فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الأصحاب فيهم من أثق بحديثه فقال : وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبد الله القرطبي بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكي له هذه الحكاية سمعتها بأذني من فيه ، انتهى ما ذكره الطبري.