آخر سنة من خلافته ؛ ففي كتاب السير عن الحارث بن مسلم عن ابن وهب : أخبرني مالك أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد : لوددت أن هذا المسجد لا ينجز (١) ؛ فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل عثمان ، قال مالك : فكان كذلك.
قال الحافظ ابن حجر : ويمكن الجمع بأن الأول كان تاريخ ابتدائه ، والثاني تاريخ انتهائه.
قلت : قد تقدم ما يردّ هذا الجمع ، وأن الفراغ منه كان في سنة ثلاثين ، لكن يمكن أن عثمان رضياللهعنه أحدث فيه عمارة أخرى آخر سنة من خلافته وقد وصل ابن شبة ما نقله مالك عن كعب ؛ فروى بسنده من طريق الأعمش عن أبي صالح قال : قال كعب ومسجد النبي صلىاللهعليهوسلم يا بنى : والله لوددت أنه لا يفرغ من برج إلا سقط برج ، فقيل له : يا أبا إسحاق أما كنت تحدثنا أن صلاة فيه أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام ، قال : بلى ، وأنا أقول ذلك الآن ، ولكن فتنة نزلت من السماء ليس بينها وبين أن تقع إلا شبر ، ولو فرغ من بناء هذا المسجد وقعت ، وذلك عند قتل هذا الشيخ عثمان بن عفان ، فقال رجل : وهل قاتله إلا كقاتل عمر ، قال : بل مائة ألف أو يزيدون ، ثم يحل القتل ما بين عدن أبين إلى دروب الروم (٢).
وروى يحيى عن أفلح بن حميد عن أبيه قال : لما أراد عثمان أن يكلم الناس على المنبر ويشاورهم قال له مروان بن الحكم : فداك أبي وأمي ، هذا أمر خير لو فعلته ولم تذكر لهم ، فقال : ويحك! إني أكره أن يروا أني أستبد عليهم بالأمور ، قال مروان : فهل رأيت عمر حيث بناه وزاد فيه ذكر ذلك لهم؟ قال : اسكت ، إن عمر اشتد عليهم فخافوه ، حتى لو أدخلهم في جحر ضب دخلوا ، وإني لنت لهم حتى أصبحت أخشاهم ، قال مروان بن الحكم : فداك أبي وأمي لا يسمع هذا منك فيجترأ عليك.
وعن عبد الرحمن بن سفينة قال : رأيت القصّة تحمل إلى عثمان وهو يا بني مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بطن نخل ، رأيته يقوم على رجليه والعمال يعملون فيه حتى تأتي الصلاة فيصلي بهم ، وربما نام ثم رجع ، وربما نام في المسجد.
وعن خارجة بن زيد قال : هدم عثمان بن عفان المسجد وزاد في قبلته ، ولم يزد في شرقيه ، وزاد في غربيه قدر أسطوان ، وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة وعسب النخل
__________________
(١) أنجز الشيء : أتمه وقضاه.
(٢) الدروب مفردها الدرب : المضيق بين الجبال. و ـ كل مدخل إلى بلاد الروم.