يحرز متاعه مخافة أن يختطف. قال : وأدرك الرجال النوم لسهره ليله كله ، فكرهت أن أوقظه ، وخفت أن احتبس أنا عن أصحابي إن أنا انتظرته حتى يستيقظ ، فبادرت ، فأتيت السوق ، فإذا أكثر أهلها لم يأتوا ، فوقفت أترقب ، وأنا في ذلك أتأمل الناس فإذا ببطريق من بطارقة الروم قد أقبل ومعه جماعة من الأعوان ، فرآني على تلك الحال ، فعلم أنّي غريب ، فقال لأعوانه : خذوا هذا ، فنعم خادم الكنيسة هو ، فأخذوني فانطلقوا بي إلى كنيسة لهم فيها بناء قد استهدم ، ودفعوا إليّ مرا (١) فقالوا : اهدم ، فظللت يومي كله أعمل في ذلك حتى أمسيت ، فخلوني ، فرجعت إلى الفندق الذي كنت فيه ، أوّل الليلة الماضية ، وأنا بحالة سيئة ، فبينا أنا جالس فيه أتاني الرجل الذي كان أضافني فقال : أين كنت؟ وما كان من أمرك؟ فأخبرته ، فقال : ألم أوصك (٢) لا تخرج إلى السوق إلّا معي؟ فقلت : إنّك بتّ تصلي ، فأصبحت تعبانا وأعجلني الأمر وورائي أصحابي ينتظروني ، وكرهت أن أعجلك من منامي. فقال : انطلق الآن معي ، قال : فصار بي إلى منزله ، فأحسن ضيافتي وأوصاني أن لا أصنع كما صنعت ولا أخرج إلّا معه ، وأخذ في صلاته كما فعل في الليلة الماضية ، حتى إذا بان الصبح ونام ، خالفته فخرجت إلى السوق ، فإذا البطريق قد غشيني فقال لأصحابه : هذا صاحبنا بالأمس ، فخذوه ، فأخذوني حتى أوقفوني على موضع الهدم وأعطوني المرّ ، فما زلت أهدم حتى انتصف النهار واشتدّ الحر ، وخلا الموضع ، فجلست أستريح في ظل بعض تلك الحيطان ، فما شعرت إلّا وقد هجم عليّ البطريق فعلاني بسوط معه حتى أوجعني ، وقال : أتركت العمل وجلست؟ قال عمر : فأبلغ مني فعله ، ونظرت عن يميني وعن شمالي فإذا ليس أحد غيري [وغيره](٣) فاجتذبته جذبة فسقط عن دابته إلى الأرض ، ثم ضربت هامته بالمرّ حتى فلقتها وهو في ذلك يصيح ويستغيث ، فلم يسمعه أحد ، فطرحت عليه من ذلك الهدم ، وخرجت من المدينة هاربا لا ألتفت ورائي حذرا من الطلب أن يدركني ، وقصدت غير الطريق الذي فيه أصحابي.
فلما أبعدت من المدينة لحقني رجل من الروم يسير في بعض أمره ، فكلّمني بلغته ، فلم أعرفها واستراب بي ، وألحّ [في](٤) مخاطبتي بما لا أعلمه وأنا أخاطبه بما لا يعلمه هو ، ثم
__________________
(١) المرّ : المسحاة.
(٢) بالأصل وم : أوصيك ، خطأ ، والمثبت عن «ز».
(٣) سقطت من الأصل ، واستدركت للإيضاح عن «ز» ، وم.
(٤) استدركت على هامش الأصل.