واتفقوا على تعطيل تلك المسلحة (١) ، وغفلوا عمّا كان فيها من المصلحة. فإنهم لما هدموها تعذّر / ٣١ / عليهم الخروج ، وأحاط بهم العلوج (٢) ، وخلا لهم ذلك السبيل فسلكوه ، وأخذوا البناء الذي كان بطرف القنطرة فملكوه.
ولمّا رأوا أنّ ضرب المجانيق وإن هتم (٣) وهتك (٤) ، وفتّ وفتك ، وأنهب أكثر مما ترك ، لا يوصل صلالهم (٥) إلى الوخز ، ولا يمكّن لصوصهم من فك الحرز ، دلفوا إلى البلد بركب الكرب ، وتركوا ظاهر السّور للمرسى وطلبوا باطنه بالنقب ، فحفزوا وحفروا ، وتوافوا على الجدّ وتوفروا ، وأجنّت منهم أطياف الثرى أشباه الجنّة ، وسكنوا بطون التراب أمثال الأجنة ، من كل ضب كضب في مغارته ، وشانئ شانّ تحت الأرض لغارته ، منجحر كالصّلّ في الصرّ ، مستكن في صدر الثرى كالسر ، سار في تلك الظلمات ، ساكن وهو من الأحياء منازل الأموات.
وكان خندق البلد قد أحكم خرقه ، وعظمت سعته وعمقه ، فقدّروا
__________________
(١) يريد القنطرة التي كانت بمثابة ثغر ومرقب يرقب منها المسلمون عدوّهم ويمنعونه من أن يطرقهم على غفلة.
(٢) العلوج ، والمفرد علج والأنثى علجة : وهو الرجل القوي الضخم من كفار العجم. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٣٢٦.
(٣) الهتم : هتم فاه يهتمه هتما : ألقى مقدّم أسنانه. وهو انكسار الثنايا من أصولها وقيل من أطرافها ، وأهتمته إهتماما إذا كسرت أسنانه. قال جرير :
إن الأراقم لن ينال قديمها |
|
كلب عوى متهتّم الأسنان |
الهتامة : ما تكسّر من الشيء. لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٦٠٠.
(٤) جناس ناقص بين" هتم وهتك".
(٥) الصّلال ، والمفرد صلّ : وهي الحية التي تقتل إذا نهشت من ساعتها ، ولا تنفع فيها الرقية. ويقال للرجل الداهي المنكر في الخصومة : صلّ أصلال أي حية من الحيّات. لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٣٨٥.