قلب المدينة ، هذين العنصرين الحاسمين ، نعني المعبد والقصر. لكننا نجد أيضا الساحة العامة (الأغورا) التي غطتها البناءات الكثيرة ، فكادت تمحوها ، بسبب التغييرات الواسعة التي طرأت عليها. وما ذكره إليسييف Elisseef يدل دلالة عميقة على ذلك ، وقد اعتمد سوقاجي Sauvaget فيما قال : «يذكّر درب الرّحبة وهو السكة المنحرفة المجانبة لأسفل التل (الذي يغطي الأغورا) بوجود سابق قديم لساحة مستطيلة أو مربعة الشكل ، كانت تسمى رحبة خالد في العهد الوسيط. وقد احتفظ بذكراها إلى اليوم في ساحة الديوانة ....» (١). ولنلاحظ هذه الترجمة الممتازة التي ظهرت في اللغة والحجر في آن ، والتي حولت الأغورا إلى رحبة. ونسوق هذا على سبيل الإشارة والتلميح لا غير ، لأنّه لا يمكن القول إن دمشق أثرت في الكوفة في بداية نشوئها (٢). لقد أتيح لها ذلك كعاصمة للامبراطورية ، لكن في عصر لاحق ، خلال إمارة زياد ، وخلافة عبد الملك وولاية خالد القسري. لكن لو أردنا المضي بعيدا في عملية المطابقات ، فمن يقدر أن يدلل على أن رحبة الكوفة قد دعيت رحبة قبل العصر الأموي؟ أمّا في بلاد الرّافدين فالأحرى أن ينسب إلى التأثير الهلينستي على السلوقيين والبارتيين ، أمر تهيئة ساحة كبيرة حول القصر والمعبد على شاكلة الأغوار (٣). وهكذا تتتابع وتتشابه صور للعنصر الحضري ذاته ، ولا تتشابه في الوقت نفسه ، ولا سيما في غائيتها. لقد سبق لرحبة المنصور أن استهدفت الاتجاه المعلمي (٤) ، وكانت ترمز إلى المسافة التي لا تدانى والتي كانت تفصل السلطة عن الناس وتمثل الفراغ العميق الناتج عن خشية هذه السلطة ذاتها. في حين تقمّصت الرّحبه في الكوفة الأولى وظيفة الرّافد والمصب من الحزام السكني إلى المركز ، وشيئا فشيئا ، وبمقدار تعاظم السلطة المفارقة للوالي صارت لها وظيفة الحاجز في وجه الجماهير الغفيرة المقيمة بالمدينة. فما القول إذن في وظائف الأغورا
__________________
(١) Nikita Eliseeff,» Damas a ? la lumie ? re des the ? ories de Jean Sauvaget «, in The Islamic City, Ox ـ ford, ٠٧٩١, p. ٠٧١.
(٢) لا شك أن سيفا وصف الظلة الأولى (ظلّة سعد) بأنها كانت مسقوفة بسقف من النوع البيزنطي ، بمفعول اسقاط يعود إلى الماضي ويتجه اتجاها ثقافيا جامعا : الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥. لكنه لم يكن يتصور ذلك أمرا مستحيلا ، عندما كان بصدد تأليف كتابه وهو الرّجل الذي شاهد عيانا الكوفة خلال العصر الأموي الأخير.
(٣) ذكر ممفورد اعتمادا على أعمال معروفة ، أنّه بالنسبة لليونان «كانت الأغورا منذ البداية ، مخصصة للعلائق اليومية المتنوعة ، وقد فصلت فصلا تاما عن سور المعبد ... وتمّ هذا الفصل بصورة أسرع مما كان عليه الأمر في بلاد الرافدين ، ذلك أنّه لم تجر أبدا ممارسة التجارة والصناعة بإشراف المعبد ، على الأقل بعد عصر هوميروس» : راجع : Mumford ,La Cite ? a ? travers l\'histoire ,p.٤٩١.
(٤) ينبغي تمييزها من الرحاب الصغرى الكثيرة المحددة مواضعها في مركبات الأبواب بخصوص الرّحبة المركزية في بغداد التي تكاد تماثل الساحة العامة كلها : راجع كتاب البلدان ، ص ٢٤٠ ؛ الطبري ، التاريخ ، ج ٧ ، ص ٦٥٤ ؛ وLassner ,The Topography of Baghdad ,p.٤٤١ ..