الكلاسيكية ، ووظائف الرّحبة الإسلامية ، إذا سلمنا بوجود اقتباس ما؟ كان للأغورا اليونانية في الفترة العتيقة وظيفة تجارية ، وأضافت الأغورا في الفترة الكلاسيكية إلى ذلك ، وظيفة سياسية. فأصبحت المجال الحيوي للعلاقة الاجتماعية ، ومكانا للمداولات والمناقشات. لكن رحبة الكوفة ، ورحبة بغداد بدرجة أقل ، لم تكن امتدادا للسوق ، ولا ساحة سياسية ، ولا حتى مكانا للمداولات : إنّ صمت المصادر العربية عن هذا الموضوع ناطق مبين. لقد كان القصر يجمع في قبضته قوة القمع والقرار ، فكان في بداية الأمر يوظف الرّحبة إما لجمع رجاله ، وإما لإظهار قوته عبر الاستعراضات العسكرية. أما المسجد ، فكان يجمع طيلة القرن الأول الهجري ، النقاش السياسي الديني ، لا كاختيار أصلي متجذر (١) ، إذ كان موكولا للتعبد قبل كل شيء ، بل كعادة مكتسبة. كان النقاش يدور في المسجد والقوم جلوس ، لا وقوفا أو متجولين في الرّحبة. ثم بعد ذلك وجد التحريض الكلامي والمسلّح نقطا للارتكاز في الجبانات (٢) ، تلك الأشكال الأخرى المنبثة للرّحبة ، كما في الكناسة ، ذلك المكان الرفيع الآخر لحرارة العلاقة الاجتماعية المستمرة.
السوق :
كانت السوق عنصرا أساسيا ثانيا في المساحة المركزية ، إلى جانب الرّحبة وكانت مثلها محيطة بالمركّب الأثري «المعلمي» المتكون من القصر والمسجد. وقد أسقطت منذ البداية على مخطط المدينة ، بعد أن استنبطتها مخيلة المخططين. إن السوق عنصر من الحياة الجماعية وجزء من المساحة العامة. كانت مستقلة وجهازا قائما بذاته متميزا عن المسجد ـ خلافا لتقاليد الشرق القديم. لكنها كانت قريبة منه وحدّد موقعها في الجوار المباشر للمسجد ، هذا الجوار الذي استمر في كل بنية مدنية إسلامية ، في حين أن القصر هاجر إلى القصبات الخارجية أو إلى محلات للإقامة في الضواحي. إن المهم في هذا المجال أن نؤكد تعمد تهيئة الموقع الخاص بالسوق (٣). فلم تنشأ السوق كإفراز لحاجات التبادل والاستهلاك في المدينة ، أي نشوء عفويا ، بل كان وجودها إراديا محدد الموقع. وأن تكون بسيطة جدا أو حتى غير متميزة داخليا في الأول ، فلا يزيد هذا على أن يكون أمرا طبيعيا. الحقيقة أن عالم التجار
__________________
(١) هذا رأي لامنس الذي أنكر صبغته الدينية. راجع : Lammens, Etudes sur le sie ? cle des Omayyades,. Beyrouth, ٠٣٩١.
(٢) راجع بحثي المذكور سابقا ، في مجلةJESHO ، وكذلك مادة «الكوفة» ، في.E.I / ٢
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٧ ؛ اليعقوبي ، كتاب البلدان ، ص ٣١١.