فقد تصورها الواحدة تلو الأخرى في المنهج نفسه. أما تصورنا ، كما تمليه علينا صرامة نص سيف ذاتها فهو أن العشائر كانت تتوالى ، لكنها كانت تتواجه أيضا. كانت الدور تتوالى ضمن القطيعة الواحدة ، لكنها كانت تراكب ممرا ، هذا الممر هو الزقاق ، وهو أصغر الطرق ، وكانت الدور تقع على جانبي كل نسق الطريق قطعا ، كما هو الحال في كل مكان. لكنها لا تقيم عليها ، ولا سيما الطريق الكبرى أو المنهج ، وهو عبارة عن أرض خلاء صالحة للفصل والمرور.
ما هو عدد قطائع العشائر في الخطة القبلية نفسها؟ يرتبط هذا الأمر بعدد العشائر التي جاءت مع القبيلة ، في بداية الفتح ، وبعدد الأفراد داخل كل عشيرة. وقد طرأت تحويرات بالهيكل الشامل فور تنصيبه. ومن المعلوم ـ دائما بصورة تقريبية ـ أن ٤٠٠٠ رجل من قيس حضروا وقعة القادسية (ضبة ، هلال ، سليم ، غطفان ، ثقيف) : فتوزعوا على عدة خطط قبلية. وجاء ٣٠٠٠ من أسد والعدد نفسه من تميم ، و ٢٣٠٠ من مذحج وحضرموت ، و ٢٠٠٠ من بجيلة (١). لكن يتشعب المشكل برحيل عناصر من بكر وضبة (٢) إلى البصرة. والذي حصل بالكوفة هو هجرة أجزاء من قبائل متفاوتة الأهمية فلم تقع هجرة وحدات قبلية كاملة. لكن هل حصل ذلك بأقسام آتية من كل العشائر أم من بعض العشائر المتجانسة؟ لكي تكون لنا فكرة عن هذه المسألة ، أحصينا وجود ١٠ عشائر من همدان في بداية نشوء الكوفة (٣). وللاطلاع ، راجعنا كتب الأنساب فوجدنا أن بمذحج ١٧ عشيرة معروفة (٤) (لا بالكوفة ، بل بصورة عامة) ، وبكندة (٥) ٩ عشائر حسب المصادر المعهودة وما يفوق ال ٢٠ عشيرة مستقرّة بالكوفة حسب ابن الكلبي. وتحصي بجيلة ٤ أو ٥ عشائر (٦) ، خلافا لتميم التي تألفت من أربعين عشيرة (٧). وهكذا نرى أن النسب مختلفة جدا. فهل
__________________
(١) راجع جدولنا على ص ٣٢ ـ ٣٣.
(٢) كان رجال ضبّة حاضرين بكثرة في وقعة الجمل إلى جانب أهل البصرة ، الطبري ، ج ٤ ، ص ٥١٦ ـ ٥١٨.
(٣). H. Djai ? t,» Les Yamanites a ? Kufa «: art. cit., pp. ٨٥١ ـ ٩٥١. الواقع أنه كان يوجد ١٥ عشيرة.
(٤) ابن حزم ، الجمهرة ، ص ٤٧٦ ـ ٤٧٧. كانوا حاضرين جميعا تقريبا في الكوفة.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٤٧٧ ، منها ست أو سبع حاضرة بالكوفة. لكن ابن الكلبي في كتاب النسب نسخة الاسكوريال ، بالخصوص ورقة ٢٤ إلى ٢٨ يحصى ١٤ مسجدا لعشائر كندة سوى المعروض منها في المصادر الأخرى ، وإذا زدنا على هذا العدد العشائر التي لم يذكر لها مسجدا بالكوفة وتقرر وجودها فيها ، فإنا نصل إلى رقم يجاوز العشرين ، علما بأن هذا الرقم يعبر عن حالة القرن الثاني.
(٦) الجمهرة ، ص ٤٧٤ : هناك تردد بسبب وجود عشائر فرعية. ابن الكلبي يحصي ٩ عشائر ، المصدر نفسه ، ورقة ٥٢ و ٥٣.
(٧) المرجع نفسه ، ص ٤٦٦ ـ ٤٦٧. كانت بين تميم والرباب أوثق الصّلات. وحضرت سبع عشرة عشيرة بالكوفة ، وأكثر من ذلك قليلا بالبصرة (صالح العلي ، ص ٣٢٠ ـ ٣٢١). لكن الأمر لا يتعلق دائما بالعشائر نفسها.