سنجد قطائع كبرى وقليلة العدد عند بجيلة (١) وكثيرا من القطائع الصغرى عند تميم ، وقطائع متوسطة عند مذحج وهمدان؟ إذا خضع جميعهم لمبدأ الهيكلة الطولية ، في شكل شرائط ، مع تحديد مسبق لعرض القطيعة ، فمن المعقول أن تحتل القبائل الكثيرة العشائر ، أوسع الخطط (خطط الشرق والغرب) ولعل المواقع المفتوحة من جهة أيضا ، حيث كان يتيسر التوسع الجانبي. ولا بد أن طول خطط العشائر بالخصوص كان متنوعا ، وقد بقي غير محدد ربما بسبب تنوع العشائر. وبما أن بجيلة تفرعت إلى عشائر قليلة ، فقد يكون من نصيبها ست أو سبع قطائع ضخمة ، وستحافظ هذه القبيلة أكثر من غيرها على نسق طرقها (وكثيرا ما ورد ذكره في الروايات السياسية اللاحقة). وخلافا لذلك ، لقد استقرت تميم في خطة عريضة لكي تكون اقتطعت قطائع قليلة الطول وفي إمكانها تصفيف أربع قطائع جنبا لجنب ، في حين أنها لو استقرت شمالا ، فلن تتمكن إلا من تصفيف قطيعتين قطيعتين. هذا ولم تكن كل عشائر تميم حاضرة بالكوفة ، ولا كل الذين شاركوا في وقعة القادسية ، ولا سيما بنو حنظلة الذين كانت عشائرهم كثيرة. فمنذ أن جرى التحول إلى المدائن ، اختاروا الإقامة بالبصرة (٢). بقيت زيد مناة ومنها سعد ، وتفريعاتها الكبيرة بصفة مذهلة إذ تحوي في الجملة خمس عشرة عشيرة على أقل تقدير. ثمّ إن خطة تميم تشتمل على محارب. كلّ هذا يحفزنا على قبول تقسيم قصير للقطائع (٢٠٠ متر طولا فقط) ، أي قبول تراكم معين ، وذلك يفسر أنه لم يكن لتميم جبانة معروفة ، مما يبرر تنقلهم إلى غرب الكوفة في بداية العصر الأموي (٣). إن هذه الجولة في قضايا التعمير ترمي إلى تسليط الضوء على البنية الطوبوغرافية لمحيط الإقامة. يزيد ذلك من تشبثنا بفكرة أن توزيع خطط القبائل لم يتم صدفة ولا بواسطة قانون القرعة القديم ، بل هو تعبير وكشف لمنطق كان سيئا أحيانا. أما تخطيط القطائع فكان يخضع لقاعدة صلبة ، بخصوص تحديد العرض وحسب ، مثله في ذلك مثل نسق المناهج ، فارضا تشكيلا وبنية ومظهرا عاما. إنه التشكيل الطولي ، تشكيل البدو لصفوف الخيام ، الذي انتقل إلى الكوفة وتكيف مع الكثافة البشرية ، وانضغط على نفسه في المجال الضيق ، فكان في آخر الأمر تنظيما بديعا.
على أن هناك نقاطا هي محل شك بخصوص هذه النتائج. فمثلا ليس ثابتا لدينا أن الزّقاق كان دائما الخط القاسم داخل القطيعة ، أو أنه كان كذلك أبدا. ففي وضعية مثل
__________________
(١) هذا ما أكده اليعقوبي بالنسبة لبجيلة : كتاب البلدان ، ص ٣١٠. والملاحظ أن أحمس الكوفة انفصلت عن أكثر بجيلة ، من الوجوه كلها.
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٩٠ ؛ صالح العلي ، مرجع مذكور ، ص ٨٦.
(٣) نظرا لكثرة عددهم ، فقد هاجروا من الشرق إلى الغرب والجنوب الغربي مع ضبة. وقد ضايقت السبخة والفرات تطور المنطقة الشرقية في حين أن الغرب ولا سيما الجنوب الغربي ، تضمن إمكانات أكبر للتوسع.