للسكن ، وما طرأ من تصلب على ترتيب القطائع ، وهو ما يتضارب مع نسق الطرق المهوى جيدا ما عدا الأزقة مما أدى إلى ظهور مصاعب فورية.
روى سيف أن الأعشار استقروا في هذا الحزام السكني (١) ، أي الوحدات الكبرى في معركة القادسية ، في حين أن «مواضع» خصصت للمقاتلين الذين كانوا يحرسون الثغور ، وقد غابوا عن الكوفة (ولا سيما عبس) (٢). لكن ها أن الروادف بدأوا يتوافدون ، وقد كانوا من المهاجرين الذين جاؤوا حديثا ، على دفعتين متواليتين ، منذ خلافة عمر (٣). وضاق المكان على المقيمين الأوائل في الحال ، وذلك دليل على أن الخطط حددت بصفة كبيسة ، وأن مجال السكن كان كثيفا عموما إلى حد الشطط. وقد تبين فورا أنه كان لا يكفي ، وما عقّد الوضع كثيرا أن العرب لم يكونوا يتصورون أي تجمع للسكن خارج إطار العشيرة والقبيلة عموما. وأدى هذا إلى إدخال التحويرات والتنقلات والمبادلات ، في مستوى العشيرة والقبيلة. فإذا ما تكاثر المهاجرون الجدد المنتمون إلى عشيرة أو مجموعة من العشائر المستقرة سابقا ، فإنهم يجذبون إليهم أبناء عمومتهم الذين يتخلون عن دورهم ويلحقون بهم حيث يقيمون (٤) ، أي خارج مجال الخطط ، وربما بالأطراف أو في الفجوات الكبيرة. من البديهي أن هذا قد حصل لاستحالة توسيع مجال السكن وقد حصره نسق الطرق ولأنّ عرضه محدود ، ولأنّه يتفرع إلى قطائع أو خطط غير قابلة للاتساع ـ نظرا لوجود عشائر أو قبائل أخرى مجاورة وهي بصورة قسرية محددة ـ فتظهر بمظهر الوحدات الثابتة الصلبة أو الأراضي القبلية التي لا يمكن عبورها. وخلافا لذلك ، حيث يكون الروادف قليلي العدد ، فإن رجال عشيرتهم يجلبونهم إليهم ، ويفسحون لهم المجال ولو أدى ذلك إلى الضيق ، بعد مراجعة تهيئة مجالهم ، وإما بإقرارهم في مكان المغادرين إذا أسعفهم الحظ وكانوا من أجوارهم (٥). فهل كانت تنقلات من الصنف الأول تبين سبب إقامة أحمس ، إحدى عشائر بجيلة الكبرى ، قريبا من الجبانة (٦) ، بحيث أقاموا بعيدا عن مجموع القبيلة ، وأنّ تميما وأسدا وعبسا تجمعوا في الطرف الغربي (٧) ، أي من جهة الكناسة (٨) ، حيث يوجد مجال أوسع
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٤.
(٣) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٥) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٦) اليعقوبي ، كتاب البلدان ، ص ٣١١.
(٧) المرجع نفسه ، ص ٣١١.
(٨) كتاب الأغاني ، ج ١٥ ، ص ١١٠ ؛.Massignon ,op.cit.,p.٣٥ ;