القديمة والعهد الوسيط لم تعرف السكك الصغرى والازقة (١) ، مع علمنا أن روما عرفتها (٢). كما أنه من الغريب أن تكون السوق مقتبسة حسب بلا نهول من «الأروقة» اليونانية الرومانية (٣). إن هذا المؤلف يجد نفسه في تناقض بين ميلين ، يدفعه أولهما إلى إضفاء عنصر سلبي معين على الحضارة الإسلامية ، فيما يدفعه ثانيهما إلى إنكاره ما إذا كان هذا العنصر يعبر عن ابتكار أصيل (٤). فهو مثلا يلح على فكرة انقسام المدينة إلى أرباض (٥) ، وهذا غرض معروف ينطلق منه للتدليل على ما هناك من نقص في اندماج المدينة الإسلامية. ثم لا يلبث أن يؤكد مباشرة بعد ذلك أن هذا الانفصام لم يبتكره الاسلام لأنه كان حيا جدا في المدن خلال العهد الوسيط (يقصد المدن الاوروبية) (٦). هذا وبما أن كل استمرار تاريخي جغرافي ، وكل خاصية موروثة أو مقتبسة تعادل النقل ، فمن المهم أن يوحّد هؤلاء المحللون مواقفهم ، ويتأكدوا من كون العنصر «المنقول» هو من الشرق القديم ، من فارس أو من التقليد اليوناني وإلا فلن تتبقى سوى إرادة عنيدة للاستنقاص ، إذ لم يعد المقصود إبراز التسلسل. فمثلا هل أن الدار ذات الصحن الداخلي المفتوح ، يجب ربطها بالشرق القديم (قيرث) (٧) ، أم بفارس أم بالتقليد اليوناني (بلانهول) (٨)؟ المسعى المعرّض به في هذا المقام ، ينقلب على نفسه : فيصير أعمى أمام تيارات انتقال صور الحضارة بين الشرق واليونان ، ويتجه إلى ثنائية حيرى (الشرق؟ أم اليونان؟) وبذلك يتيه في التناقض لأنه يريد الافراط في تفريد التقليد الكلاسيكي دون سواه. الحقيقة أن هذا النقد المنهجي يتجاوز قضية نشوء الامصار التي تشغلنا في هذا المقام.
__________________
(١) La Ville arabe dans l\'Islam, p. ٥٩١;» Die Orientalische Stadt «, pp. ٥٤ ff.
(٢) Le ? on Homo, Rome impe ? riale et l\'urbanisme dans l\'Antiquite ? , Paris, nouvelle e ? dition ١٧٩١, p. ٠٧٣. حيث يشير المؤلف إلى الأزقة الضيقة (» angiportus «) ويقول إنها «لم تكن سوى أزقة أو طرق مسدودة في الغالب».
(٣) فكرة لعله أخذها عن :.Sauvaget ,art.cit.,p.٢٣١.
(٤) Ibid.,p.٢٣١.
(٥) Ibid.,p.٩٢١.
(٦) Ibid.,p.٢٣١.
(٧) Op.cit.,p.٦٩١.
(٨) Art.cit.,p.١٣١.