حاكمة ، أي أنها تكون مؤقتة ومفتعلة بالضرورة (١). فماذا يكون مصير المصر مثل الكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان ، من رؤية الأمور هذه؟ أمدينة عفوية أم مدينة منشأة «لغرض استراتيجي» فقط ، لا لسعادة المجموعة؟ هكذا ، وبقدر ما كانت هذه الامصار مجرد معسكرات في بداية الأمر ، و «مخيما» ، تطورت في مرحلة ثانية إلى مدن تملك الصفات الاساسية للحاضرة ، فلا يمكن لهذا التطور أن يكون ثمرة لإرادة أصلية بل نتيجة للمحيط والظروف أي للعفوية.
لم يقصد إنشاء مدينة معينة لذاتها ، بل المعسكر هو المقصود بالذات (٢). وقد صلّب جورج مارسي وجهة النظر التي كان أبداها في مقاله ، ضمن رسالة وجهها إلى پوتي Pauty (٣) حيث يتساءل «هل من الممكن الكلام على إنشاء عندما تنشأ المدينة عن معسكر ...؟ هناك مستوطن عسكري سابق : لكن ليس المعسكر مدينة وليست الخيام دورا. وأضاف قائلا : «إن هذه المقرات العسكرية التي تجمع حول قائد العمليات الاقليمية مصالح الحامية والمنشآت شبه الدائمة لا يمكنها ، بأية حال ، تمثيل إرادة أصلية لارساء قواعد مدينة» (٤). وزاد قوله : «هناك آخر الأمر ... رباطات ومعسكرات وحاميات «أنشئت» قرب المدن القديمة. كما نجد أحياء «منشأة» يقيم فيها الأمراء. وقد انبثقت عنها تجمعات سكنية تكونت من الاستمرار في تعمير الاحياء التي تولدت حولها. وتميزت دون منازع بطابعها العفوي» (٥).
ومهما كان الأمر ، وسواء أكانت المدن منشأة أم عفوية ، فإن العمل التمديني الاسلامي محكوم عليه مسبقا ، مع بعض التخفيفات عند الاخوين مارسي (٦) ، وبصورة فظة
__________________
(١).Georges Marc ? ais ,art.cit.,p.٩١٥ لكن المشكل مطروق هنا مع تحفظات ؛ راجع بالخصوص : Pauty ,.art.cit.,pp.٨٥ ـ ٣٦. وقد أجمل Grunebaum على أحسن وجه وجهة النظر هذه في : The Structure of the muslim town in Essays ـ ـ ـ , p. ٤٤١.
(٢) Pauty ,pp.٠٦ ,١٦ ,٤٧.
(٣) Ibid.,p.١٦.
(٤) Ibid.,p.١٦.
(٥) Ibid.,p.٤٦.
(٦) لا ننس أن مقال W.Marc ? ais المعروف وعنوانه» L\'Islamisme et la vie urbaine «، الذي كان في الأصل بحثا مؤرخا في ١٩٢٨ ، وأعيد نشره في.Articles et Confe ? rences ,pp.٩٥ ـ ٧٦. ، هو الذي انطلق في البحث في هذا الاتجاه. كانت نظرته دقيقة ذكية بالنسبة لذلك الوقت وبالأحرى رصينة. وقد سجل «المفارقة» الواردة في نجاح التمصير الاسلامي ، والجهد الخلاق وكونهما حدثا بمساعدة مجموعة بشرية كانت من الرحل أصلا ، وقد حاول تفسير هذه الظاهرة بالتأطير الذي حصل بفضل العناصر المستقرة من الحجاز كما بالمثل الأعلى الجماعي للاسلام. وسيعود الاستشراق اللاحق كله إلى هذه الفكرة الأخيرة منسقا إياها ، كما جرى العود إلى استخدام