واسع من الابتكار السريع ، وجانب من الإرث المتلقى جاهزا من عمل الرسول (كان الرسول يخطط ويقطع القطائع في المدينة وفي غيرها ، كما جاء في السنّة) (١). ويوجد جانب استيعابي في مجال التمدين في بلاد العرب وعلى حواشيها ، وكذلك جانب من استبطان التصورات الثقافية الخارجية ـ لكن ما هي هذه التصورات؟ ـ ولنلاحظ تفوق التخطيط في هذه الفترة التكوينية على الهندسة المعمارية ذاتها التي سيأتي دورها فيما بعد. وتبدو الكوفة في الحركة العامة لتاريخ التمدين بمثابة الحلقة الأولى من سلسلة هائلة من الإنشاءات شهدها القرنان الأول والثاني من الهجرة ، وبلاد الرافدين أكثر من غيرها. ومن المؤرّخين من فكّر في مقارنة هذه الظاهرة بإنشاءات الإسكندر وخلفائه (٢) التي هي علامات على المسيرة الساحقة للفاتح العظيم. وهي مقارنة أكثر سدادا مما يعتقد ، لو أدركنا ، بعيدا عن فكرة «العمل التحضيري» أو «إرادة التمدين» ، السبب الأساسي الذي من أجله قام هذا العمل غداة فتح كبير هنا وهناك أي عند اليونان وعند العرب. لقد تعلق الغرض بإقرار شعب طارىء ، Alloge ? ne ، وبتأسيس نقط استيطان هي بمثابة العلامات للهلينية والعروبة. وهكذا ، فإن الرجوع إلى الماضي يفرض نفسه لنحاول تحسين إدراكنا للصورة الأولى التي كانت عليها الكوفة ـ ذلك النموذج الأصلي ـ وأيضا للبيئة التاريخية التي انصهرت فيها. وهنا يحق القول إننا بإزاء قضية تاريخ شمولي أكثر مما نحن أمام قضية تمصيرية أو معمارية.
__________________
(١) لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٢٨١.
(٢) Maurice Lombard,» L\'e ? volution urbaine pendant le haut moyen a ? ge «, Annales, Economie, Socie ? te ? , Civilisation, ٢١) ١ (٧٥٩١, pp. ٧ ـ ٨٢, reproduit dans Espaces et Re ? seaux du Haut Moyen Age, pp. ٧٤ ـ ٢٧; L\'Islam dans sa premie ? re grandeur, Paris, ١٧٩١, p. ٢٢١.