أخرى ، مثل التاريخ الروماني أو الهلنيستي. ومع ذلك ، كان العرب يعلمون ، من خارج التأريخ ، أنّ هناك ماضيا سحيقا لا تظهر آثاره فقط في النص وهو ذاته وثيقة من القرن السابع ، بل تظهر أيضا في الذاكرة الجماعيّة لأن الابتكار لا يمكنه أن يكون مرتجلا. زد على ذلك أنّ تلك الآثار كانت منظورة في آثار البتراء وتدمر ومدن اليمن.
من المؤكد أن العرب ، في فترة التنزيل ، كانوا مهيّأين للدخول في التاريخ الكبير ، وأن الذاكرة الجماعية في لحظة ما كانت تعلم أو تعتقد أنه كان هناك ماض قديم لكنّه مختلف ، وكانت تتعلّق بأسماء شعوب أو مدن ـ عاد ، ثمود ، إرم ، عمالقة ، جرهم ، طسم ، جديس ـ ربما كانت مجرّد أسطورة ، ولكنها لم تكن بلا أساس تاريخي ، فجاء القرآن وتورخها في كل حال (١). هذه الأسماء نجدها في الشعر العربي قبل الإسلام ، لدى الشعراء المتأخرين كالأعشى أو أمية بن أبي السّلط (٢). وبوجه خاص ، كان مناهضو القرآن ، بشهادة القرآن ذاته ، يميلون إلى الاعتراف بهم ، بمعزل عن تصنيفهم في خانة «أساطير الأوّلين» (٣). وإن ما كان العرب يجهلونه هو تاريخ بني إسرائيل ، الأجنبي ، الغريب عنهم. في المقابل ، كان التاريخ الآخر مألوفا لديهم ، وكان ينهل من المنهل الخرافي ـ التاريخي العربي الصميم. عمليا ، كان ازدواج الوعي العربي القديم يترجم في آن الطابع التاريخي واللاتاريخي للواقع العربي. وكان هذا البحث عن الماضي المحلي المحض ، في القرآن والشعر والتراث الشفهي ، يشهد على البحث عن التواصل ، ولكن مما يلاحظ بشكل مرموق هو أن التراث الإخباري كان يطرح تفاصلا غريبا في مجرى التاريخي العربي.
لئن كان القرآن يخضع الرؤيا القياميّة للتاريخ العربي ـ رؤية المدن البائدة والشعوب المنقرضة من غضب الله ـ للعبرة ، ولئن كان يحصر هذا التاريخ في سلسلة الأنبياء المنكرين ، فإنه يربطه أيضا بالجذع المشترك ، جذع ابراهيم ونوح وآدم ، وتاليا يعاود وضعه في الصيرورة البشرية والكونية ، لأن التورخة تستهدف الأصول. والحال ، فإنها تخبرنا أن العرب الأولين ، البائدة ، هم الوحيدون الذين كانوا من العاربة ، من العرب الحقيقيين ، وأن الآخرين ، المنحدرين من صلب عدنان بوجه خاص ، وكذلك من قحطان ، حسب البعض ، ربما كانوا من العرب المستعربة (٤) ، أي من العرب غير الأصلاء جذريا والذين لم
__________________
(١) القرآن ٧ ، ٧١ ـ ٧٧ ؛ ٩ ، ٦٤ ـ ٦٧ ؛ ١٥ ، ٨٠ ـ ٨٦ ؛ ٥٤ ، ٢٣ ـ ٣١ ؛ السيرة ، ص ٦٨ ـ ٧١ ؛ المسعودي ، مروج ، ج ٢ ، ص ١٥٣ ـ ١٥٥ ، ١٥٦ ـ ١٦٠ ، ١٦١ ـ ١٧٨ ؛ الثعالبي ، قصص الأنبياء ، القاهرة ١٢٩٠ ه ، ص ٥٨ وما بعدها.
(٢): Art.» Thamu ـ d «,E.I / I. الأسماء المذكورة هي أسماء عاد وثمود.
(٣) القرآن ٨٣ ، ١٣.
(٤) المسعودي ، مروج ، ج ٢ ، ص ١٦٣ ـ ١٦٧ ؛ ابن حزم ، جمهرة ، ص ٨ ـ ٩ ، لا يتحدّث إلّا عن العاربة ؛