الخيمة المقدسة سواء أكانت متنقلة أم ثابتة (١) ، أو كانت تعني المعبد المقدس كما في الكعبة أو الأسرة خاصة الحاكمة بمعناها الواسع. لكن هذه الدلالة لا يمكن اعتبارها دلّا على واقع القرية الجديد ، نظرا للتفوق الساحق الذي كان لتصورات شمال بلاد العرب. الواقع أن العرب في القرن الأول قد أسقطوا مفهوم القرية على عالم العجم. مع استنقاصهم له ، واستعانوا بمصطلحات مغايرة تماما هي المصر في العراق ، والفسطاط في مصر ، والقيروان في أفريقية ، للدلالة على التجمعات العربية المحضة خارج بلاد العرب ، التي كانت تعبر عن واقع جديد بالنسبة لما كان عندهم ، ولما وجدوه ، وبالنظر لبنى تصوراتهم. وكانوا يتمسكون في كل مرة بلبس بين الاسم النكرة والاسم العلم ، كما هو الأمر بالنسبة للمدينة. الحقيقة أن القرآن بقي الوثيقة العربية الأولية الوحيدة التي تمكنت من الارتفاع إلى مستوى المفهوم والتعميم في جميع الأمور ، ليس بالنظر للواقع المدني فحسب. كان القرآن يعمم دائما الخصوصي ، وهذا ما يكسبه قيمة وتأثيرا دائما كنص مقدس كوني الاتجاه : فهو يسمو عن الملموس بكل عليائه. ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة للفكر العربي العادي في العصر الجاهلي الذي كان خاضعا للخصوصي.
ينبغي أن يضاف إلى ذلك دون شك بروز أمرين مستجدّين بخصوص ظاهرة المدينة في فترة الفتوحات ، يتمثلان في الاتجاه العسكري الواسع المدى وادماج الرحّل. لقد كانت المدينة لحد ذلك العصر في نظر العرب ، زراعية وتجارية ودينية ومدنية بالتالي ، حتى ولو كانت قاعدة للدولة في اليمن. والمحتمل أنّ يثرب لما كسبت هذا النهج الهجومي كان ذلك مدعاة لأن تسمى ب «المدينة». وكانت من جهة أخرى المدينة بالمفهوم الحديث في الجاهلية تواجه بقوة عالم الرحل ، رغم التلاحمات ، أي عالم العرب أو الأعراب كما جاء في القرآن نفسه الذي ميز في آية واحدة أهل المدينة والأعراب (٢). وقد انفتحت المدينة «للعرب» بعملية الفتح ، إلى درجة أن الأمصار صممت لصالحهم أساسا ، وهذا ما يفسر ازدواجية المعنى وصعوبة الاحتفاظ بكلمة «قرية» التي امتزجت مدة طويلة في الماضي بانفصام وجب التغلب عليه.
الميراث المدني
ترى ، ما الذي انتقل إلى الكوفة من التجارب المدنية المتعددة التي جرت في بلاد العرب؟ يجب التذكير هنا بأن الصفوة الحاكمة كانت من الحجاز الذي توفر لديه التقليد
__________________
(١) كما هو شأن سندار بالنسبة لبكر ، غير بعيد من الكوفة العتيدة :.Art.» Ka\'ba «,E.I. / ٢
(٢) القرآن ، سورة التوبة ، ١٠١.