الأحدث والأشد حيوية أيضا ، والمنفتح فوق ذلك انفتاحا واسعا على مؤثرات الشام. وكان اليمنيون كثيرين بالكوفة. حقا لقد انقرضت حضارتهم ، لكنها خلّفت آثارا واضحة ، فضلا عن المدن الحديثة التطور كصنعاء ونجران. وأخيرا ، عرف البدو أنفسهم أشكالا من التجمع مثل المحلّة التي لا يستبعد أن تكون قد انتقلت إلى المحيط المدني. وقد تبيّن أن المصادر كانت تفضل مؤثرات الحيرة وفارس عندما تتصدى لشرح التمصير المدني النابع بصفة إرادية من النخبة الحاكمة. وسوف ننظر في ما اقتبسه اليمنيون بوضوح من تراثهم مثلا فيما يتعلق بالجبّانات. لكن عندما نعتبر الطابع الشديد الذي طبع به العرب كل المجالات الحضارة العربية الإسلامية ، لا يسعنا إلا البحث عنه في الكوفة الناشئة ، دون أن نقدر على قياس مداه مسبقا.
اليمن
كان اليمن القديم قد عرف هندسة معمارية متطورة بصورة ممتازة وقد قيل إنها برزت تامة الصفات ، مكتملة منذ البداية (١). فكانت السدود والأسوار والمعابد بحجرها الجميل المربع منتثرة على الجانب الشرقي المتجه إلى الصحراء ، في آن في مأرب ومعين وصرواح وشبوة. كان بالمعبد الكبير (معبد اشتر) في معين مدخل فخم بأعمدة رفيعة زواياها مربعة (القرن الثالث قبل الميلاد) (٢). وكان بمعبد صرواح شكل مستطيل للسور وأبراج كبيرة في الزوايا (٣). وقد وصفت الدار اليمنية بأنها كانت تتركب من دكة قوية بنيت بالحجر ، قد أقيم عليها بناية من عدة طوابق ، متركبة من هيكل له روافد من خشب قد عبىء باللّبن (٤). وهي تتميز من الدار التي ظهرت شمال بلاد العرب والتي كانت واطئة وممتدة ومنفتحة على الداخل (٥). وقد وردت إشارات في خصوص الكوفة إلى مساكن بنيت مرتفعة (٦) ، وإلى أن المسجد والقصر كانا يستندان إلى أبراج كبيرة عند الزوايا. لا نزاع في أن الشغف بالبناء كان موجودا في اليمن القديم ، شغف الخلق والتشييد الذي لم يكن ليفقد تماما ، حتى لو ارتبط برمزية السلطة القائمة على التملك ، ولم يفقد هذا الشغف باليمن ذاته في الفترة الحديثة من تاريخه حيث يشهد مساكن جميلة مرتفعة من اللبن. ومن باب أولى فقد استمر ذلك
__________________
(١) G.Garbini ,ouvr.cit.,p.٨٢٢.
(٢) Ibid.,p.٢٣٢.
(٣) Ibid.,p.٣٣٢.
(٤) C.Robin ,ouvr.cit.,p.٨١٢.
(٥) Lammens ,La Cite ? arabe de Ta\'if ,p.٤٨١.
(٦) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤.