طوبوغرافيا ثريا وغامضا في آن ، يصف من خلاله ثورة المختار (١) (٦٦ ـ ٦٧ / ٦٨٥ ـ ٦٨٦) ، وثورة زيد بن علي (٢) ، إضافة إلى البلاذري في فتوح البلدان (٣) ، واليعقوبي في كتاب البلدان (٤) الذي مزج بين القديم والحديث ، وخلط بين الأخبار التاريخية والملاحظات المقتضبة. أما مخطط ماسينيون ، فإنه يورد أصلا رواية أبي مخنف بخصوص المختار ، متيحا بذلك اقتفاء أثره عبر الثنايا التي مر بها ، ودامجا أيضا عناصر اقتبسها من اليعقوبي ، وهو يخلط بين العصر الأموي والعصر العباسي. فضلا عن أنه لم يأخذ بعين الاعتبار التصور الأولي الذي وضعه سيف ، فالتبس عليه موضوع التعريف بالقبائل ، كما غابت في مخططه أسماء السكك والشوارع ، وتحددت مواقع الجبّانات تحديدا تقريبيا ، لم يبعد كثيرا عن المعقول. الحقيقة أن ضبط تخطيط دقيق للكوفة على خارطة نعتبره من الوجهة العملية أمرا مستحيلا ، أي الكوفة في العصر الأموي ، لغموض المعلومات الواردة في المصادر. على أن محاولة ماسينيون تبقى صالحة نسبيا ومفيدة. يمكن أن نحاول استكمالها وتصحيحها أيضا دون أي أمل في الوصول إلى وضع رسم ناجز نهائي يقترب ولو قليلا من المخطط النهائي الواضح.
لقد تم كل شيء وكأن الروايات استخدمت مجموعة من العلامات المكانيّة التي هي القصر والجامع والسبخة والفرات والكناسة والجبّانات الرئيسة ، لاستعراض الجو الحضري وبث الحياة في المدينة وإعادة إحيائها ، أكثر مما كانت لتوجيهنا أو إرشادنا. فإما أن يكون أبو مخنف قد ألف لأناس كانوا على معرفة جيدة بالكوفة ، فأغفل لذلك عدة أمور ، وإما أنه كان يضلّل القارىء. فوزع في نصوصه علامات طوبوغرافية على طريقة القصّاص ـ حتى يضفي مصداقية أكبر على ما يكتب. وشعورنا أن هذه العلامات نفسها كانت تتكرر دون تغيير ، في كنف الغموض دائما ، واستمر الأمر قرنا ونصف القرن ـ منذ ثورة المختار إلى ثورة ابن طباطبا (٥) (١٩٩ ـ ٢٠٠ / ٨١٥ ـ ٨١٦). فترتب عن ذلك توفّر قائمة لا يستهان بها من أسماء المكان ـ ذكر ماسينيون ١٢٥ إسما (٦) ـ وتمكيننا من استكشاف ووصف الوظائف
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ١١ ـ ٦٦ وص ١٠٤ ـ ١٠٧.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٧ ، ص ١٨٠ ـ ١٩١.
(٣) فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ ـ ٢٨٧.
(٤) كتاب البلدان ، ص ٣٠٩ ـ ٣١١ : عرض (ص ٣١٠) خطط الكوفة وكأنها متأتية من خلافة عمر. لكن يسود الشعور بأنه يسقط ملاحظاته الراهنة ويوضحها أحيانا ، وقد فعل ذلك بخصوص همدان فقال عنهم تفرقوا في الكوفة.
(٥) الطبري ، ج ٨ ، ص ٥٢٨ وما بعدها.
(٦).Massignon ,Art.cit.,p.٧٥ يؤكد ماسينيون أن الطبري ذكر ١٢٥ اسما في الكوفة وذكر البلاذري ٥٠ إسما ، ووردت ١٠ أسماء في كتاب الأغاني وحده. لكن ماسينيون لا يذكر كل أسماء المكان في بحثه.