باستثناء ذلك ، يوحي لنا عصر مصعب ببعض العناصر الطوبوغرافية المهمة المتمثلة في وجود دار السقاية (١) التي كانت بناية عمومية للتموين بالماء ، وفي وجود موضع للحدادين «حيث تكرى الدواب» (٢) أي غير بعيد عن الكناسة ، وينبغي تحديده بمكان يقع بين جبانة مراد والكناسة ذاتها وعلى الحدود الغربية إلى الجنوب الغربي من المركز. وهنا اسم مكان آخر هو زقاق أو شارع صغير عرف بزقاق البصريين ولعل اسمه مستمد من أن أهل البصرة أقاموا فيه إقامة دائمة ، سواء كان ذلك بعد هذا العصر أم لا ، وكان بمنتهى سكة جذيمة من أسد (٣). وفيه كمن أحد قادة مصعب في اللحظة الأخيرة التي تم خلالها تطويق القصر (٤). هذا خبر ثمين لأنه يعني أن فكرة السكة استمر تطبيقها على طرق العشائر وليس على الطرق القبلية الكبرى وحسب ، وكانت الأزقة تقطعها قطعا متعامدا أو مائلا (٥). وبصورة أعم ، سواء فحصنا هذه الرواية أو غيرها ـ رواية هجوم شبيب على الكوفة مثلا (٦) ثم ثورة زيد بن علي (٧) ـ فإن ما يبرز للنظر هو صورة الكوفة التي خطتها السكك من كل جانب ، السكك التي كانت الممرات الوحيدة بين المركز والخارج. ذكر أبو مخنف باستمرار عبارة التحكم في «أفواه» السكك في نصه (٨). وتدل التطورات التى مرت بها ثورة المختار على أن هذا يمثّل عائقا يحول دون الدخول إلى المدينة. وتتواجه «الأفواه» الخارجية مع «الأفواه» الداخلية التي تنفتح مباشرة على المركز وهو منطلقها (٩). كانت تلك حال سكة جذيمة (١٠). لكن هل حافظت السكك على العرض نفسه على طول امتدادها ، أم أنها ضاقت بحيث أن فتحاتها في المدخل والمخرج شكلت وحدها العرض السابق؟ ألم يمح بعضها فلم تحتفظ سوى «بأفواهها»؟ ألم يبرز غيرها بعد تصميم سعد الأول ، ضمن تخطيط آخر ، كما وقع في سكة البريد وسكة لحام جرير؟ (١١) لا بد أن طريقة طمس الطرق غير متقدمة بما يكفي في عصر
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٦.
(٢) المرجع نفسه ، ص ١٠٦.
(٣) المرجع نفسه ، ص ١٠٦.
(٤) حوشب بن يزيد : الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٦.
(٥) انظر ما سبق.
(٦) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٢٤ ـ ٢٧٦.
(٧) المرجع نفسه ، ج ٧ ، ص ١٨٠ ـ ١٩٠. لم يذكر شيء عن شبيب في الكامل للمبرد ، ج ٣ ، ص ٢٦٨ ـ ٣٣٧ ، وقد تبسط في الحديث عن خوارج البصرة.
(٨) المرجع نفسه ، ج ٦ ، ص ٢٠ و ٢٥ و ٢٧ ...
(٩) المرجع نفسه ، ص ٢٢ : تمركز كعب بن أبي كعب بالميدان أي بالرحبة ومنع شاكر من الدخول إليه إذ استولى على «أفواه سككهم وطرقهم» من جهة المركز.
(١٠) انظر ما سبق.
(١١) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٥.