والموجودين بأسفل الفرات كما بعيدا جدا إلى الغرب في قلب البادية فقد اتضح وضعهم إلى حد ما بفضل هذا النّص.
ج) جرت محاولة ثالثة لدخول الكوفة سنة ٧٧ ه. كانت أكثر اتصافا بالمظهر الدرامي من المحاولات الأخرى ، لأنها كانت معركة حقيقية ومنظّمة خسرها شبيب. فقد ضخم أبو مخنف الأحداث أكثر مما فعل عمر بن شبة الذي ورد ذكره أيضا في تاريخ الطبري ، فلوّن المحاولة ووتّرها إلى أقصى حد. والثابت أنه لا شبيب ولا زوجته غزالة تمكنا من دخول الكوفة ، خلافا لأسطورة شاعت وتواترت (١).
ولنستعرض مجرى الأحداث : لقد سبق لشبيب أن هزم جيوش الحجاج «بأسفل الفرات» (٢) ، ثم حاصر بعد أشهر المدائن وقد قيل إنها كانت أحد أهدافه الرئيسة (٣) فضلا عن الكوفة. ثم هجم على الكوفة انطلاقا من المدائن ، فمر بالطريق المعهود التي تعبر الصراة وسورا وحمام أعين ، وبلغ الجسر فاصطدم بجيش لجب من الكوفيين ، لكن هذا الجيش لم يقدر على صدّه فتفرقت ريحه (٤). ولا فائدة من التعليق على السر الموجود في قوة الخوارج وضراوتها ، وعلى قلة الروح القتالية عند أهل الكوفة ، فليس ذلك موضعنا. يقول أبو مخنف إن الحجاج استنجد بأهل الشام الذين قدموا ودحروا شبيبا في الكوفة بالذات فأنقذوا الموقف. وروى عمر بن شبة أن أهل الشام لم يتدخلوا وأن قتيبة بن مسلم هو الذي تكفل بالدفاع عن الكوفة فتكللت جهوده بالنصر. اختلفت الروايتان وكانتا غنيتين بالمعلومات الطوبوغرافية. وأفاض أبو مخنف في القول ، واتسمت رواية ابن شبة بالإيجاز والكثافة ، وكانت مقتضبة شحيحة التفاصيل (٥) ، وقد برزت في كلتيهما أهمية موقع الشمال الشرقي خارج المدينة ذاتها ، فكان مكانا مفضلا بصفته مسرحا للعمليات.
وروى أبو مخنف أن شبيبا عبر الجسر وأقام قريبا منه نحو الكوفة ، أي قبل جسر المراكب. وقال إنه عسكر ثلاثة أيام دون ذكر اسم الموقع بالضبط ، لكنه قال إن شبيبا أمر في اليوم الأول ببناء مسجد بطرف السبخة من جهة المكان حيث يقيم (أو سيقيم؟) تجّار القّت (وهو نبات للدواب) ، حيث يوجد الايوان. وأضاف أن المسجد «قائم حتى الساعة» (٦).
__________________
(١) واعتمدت خبرا ضعيفا : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٧٣.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٤٤ ـ ٢٤٧.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٢٤٩ وما بعدها ، وص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
(٤) كان على رأسه عتاب بن ورقاء : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٢٧٢ ـ ٢٧٦.
(٦) المرجع نفسه ، ص ٢٦٨ ـ ٢٦٩.