أن الفرس عبروا نهر باسوسيا وبلغوا شوميا التي تحدد موقعها بموقع دار الرزق المقبلة (١). لعل هذا المكان مطابق لمركز إقامة بشرية ظهرت في الماضي أو في ذلك العصر ، خصوصا وأن اسم المكان هذا (شوميا) له مظهر سرياني أو آرامي محلي خاص بوادي الرافدين ، والشيء نفسه بالنسبة لباسوسيا في المرحلة السابقة كرأس جسر ؛ على أن كل هذه المعلومات لا تفيدنا كثيرا.
وخلافا لذلك ، فما هو موح ومشحون بالإشارات وذكريات الماضي البعيد وأيضا بالاسقاطات الخاصة بالعصر العباسي الأول أي عصر سيف ، إنما هو موجود في جملة المعطيات الخام المتنوعة التي يقدمها سيف والطبري. وهي عبارة عن خليط من الأخبار المدونة في كل حال بصفة متماسكة كانت عناصرها أصلية فضلا عن الطابع الماضوي المقصود في الطوبوغرافيا المشار إليها. إن «السكون اليوم» (٢) هو حي كندة ، أو قسم منه ، مما يعيد إلى الأذهان أن هذه العشيرة سبق لها أن اشتهرت بمسجدها وبحضورها (٣) في قلب جنوب الكوفة. وإذا كان الفرس وقفوا حيث نشأت دار الرزق فيما بعد فلأن هذا المكان كان يقع في الاتجاه المعاكس تماما أي في قلب الشمال. هما نقطتان قصيتان. وسواء صح الأمر أم كان خاطئا ، فهي علامة دالة تريد أن تكون ناطقة مبسطة ؛ وبعد إمعان النظر في التفاصيل نجد أن «المشركين» قتلوا «فيما بين السكون اليوم وشاطىء الفرات ، ضفة البويب الشرقية» (٤). ولذا يظهر أن «شاطىء» الفرات ودار الرزق مترادفان عمليا ثم ما لبثت التدقيقات أن تراكمت ، فوصف البويب بأنه كان قناة لتصريف الفرات في العصر الساساني ، عند مد البحر ، ومغيض النهر الذي يصب في الجوف (٥). ولعل المعركة دارت على الشاطىء الشرقي من نهر البويب «بين السكون ومرهبة وبني سليم». هذه ثلاث علامات (٦). ولعل موقع الكوفة عبرته قناة في اتجاه شمال ـ شرق ـ جنوب (إن بني سليم كانوا حقا علامة يشار إليها باستمرار) مع انحراف طفيف في اتجاه همدان (مرهبة) (٧). وقد انسدّت القناة أو أنها كانت في طريق الانسداد فهل كان هذا النهر بالذات ، أم أنه نهر آخر ذاك الذي سمي «نهر بني سليم اليوم»؟ (٨) كان هذا الخبر استطرادا تخلل الرواية. فحين
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٦٥.
(٢) المرجع نفسه ، ص ٤٦٨.
(٣) انظر لا حقا.
(٤) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٦٨.
(٥) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٦٣ و ٤٧٠.
(٦) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٤٧٠.
(٧) الهمداني ، كتاب الاكليل ، ج ١٠ ، ص ١٣٤ ـ ١٥٨ ؛ كحالة ، مرجع مذكور ، ص ١٠٧٧.
(٨) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٦٥.