وكل ما من شأنه أن يعبر عن استمرار قوة الصلات ببلاد العرب ، الوطن الأم. كانت «أسواق الأطراف» تشمل فضلا عن الكناسة ودار الرزق منشآت جديدة خارجية منها سوق أسد وسوق يوسف ، وتسهم إسهاما نشيطا في الحياة الاقتصادية بالكوفة بسبب نشاطاتها وموقعها الطوبوغرافي.
وتلفت الكناسة النظر بصورة خاصة. كانت أرضا عراء واسعة في خلافة علي حيث تميم وهمدان تفضان الخلافات بينهما (١). وبداية من ولاية زياد ، ظهرت وظيفتها التجارية حيث أمر هذا الوالي بشراء النوق والبغال ، ووجّه عليها حجر بن عدي ورفاقه إلى معاوية (٢). كانت تقوم بوظيفة السوق لبيع وكراء الدواب كالجمال والبغال والبراذين (٣) ، ولاحظ ماسينيون أن «تجارة وصناعة النقل تركّزتا فيها بصورة طبيعية» (٤) وأشرف عليهما «النخاسة بالدواب» وهم تجار الدواب عموما ، باستثناء الخيل التي لم تعتبر دوابا للنقل أبدا (٥). كانت هذه التجارة نتيجة أكثر منها سببا ، للدور الذي لعبته الكناسة كمرفأ للقوافل متجه نحو بلاد العرب أولا والبصرة ثانيا. وأضاف ماسينيون أيضا أنها كانت «مكانا لحط الرحال وحمل الأثقال بالنسبة لقوافل الجمال». فهي باب لبلاد العرب مفتوح مباشرة على طريق الحج ، ومصبّ عظيم لسكان البادية : تلك كانت الكناسة. وهي تحمل بصورة قوية عمق الصلة ببلاد العرب ، وترمز إلى الوجه العربي الصرف للكوفة ، أي إلى وجهها الآخر ، وبعدها المرتبط «بشبه الجزيرة» العربية. كانت كلمة «كناسة» تعني أصلا مصبا للقمامة (٦) ، فصارت تعني في المعجم العربي اللاحق المكان حيث تناخ الجمال وتحط الرحال بصفة عامة. إنه تطور في الدلالة مستمد من اسم العلم هذا ، وهو تطور رفضته القواميس الكلاسيكية بتاتا (٧) ، لكنه حاضر بقوة في لحمة اللغة المحكية.
لم تكن الكناسة إذن سوقا للدواب فقط ، ولم تكن تنفرد بذلك في هذا المجال ، فقد ورد ذكر سوق البراء (٨) المتخصصة في بيع الدواب. لقد كانت مركزا لسوق منتوجات
__________________
(١) أنساب الأشراف ، مخطوطة باريس ـ ورقة ٤٤٨.
(٢) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٦٨.
(٣) الجاحظ ، كتاب البغال في رسائل الجاحظ ، تحقيق عبد السلام هارون ، القاهرة ، ١٩٦٤ ، ج ٢ ، ص ٣٣٣ ؛ ابن سعد ، طبقات ، ج ٦ ، ص ٤٠١.
(٤) Massignon ,op.cit.,p.٣٥.
(٥) أبو عبيدة ، كتاب الخيل ، ص ٥ ـ ٨. كانت الجيوش «تجر» الخيول المربوطة بدواب أخرى.
(٦) لسان العرب ، مادة «كناسة» ، جذر ك ن س.
(٧) لسان العرب وتاج العروس.
(٨) أنساب الأشراف ، وجه ورقة ٤٩٩ وظهر ورقة ٥٠٠.