وشراف ، والعذيب وهي آخر مرحلة في الطفّ قبل دخول السواد ، تبدو قبل كل شيء مسيرة لحشد قبائل معروفة مهمّة أصيلة في عروبتها ، كانت من الرّحل المشاركين في الردة (١). وهكذا تجاوزت السلطة الحاكمة في المدينة وكادت تتجاوز سياسة الاعتماد على جموع مستقلة (بكر) ، أو هامشية (بجيلة وكذا شظايا الأزد واليمن). كما لم يعد يمكنها توجيه فرق صغيرة مدنية صرف أو شغل القوات المقاتلة في الشام لكنها تولت قيادة الفتح والهجرة فاتحة الباب لجموع الردة الكبيرة القوية ، ووسعت دائرة الأطر البشرية والسياسية والعسكرية لصالح الاسلام الغازي. لقد عمل عمر بهذا على تطابق الدين الإسلامي وشبه جزيرة العرب ، فطرد من بلاد العرب كل من لم يكن إسلاميا (٢). وبذلك تغلب على الصّدع الذي دب في الهيكل العربي مع ظهور الإسلام ، وشحن الإسلام بمحتوى قومي ـ ثقافي لكنه في الآن نفسه طبعه بطابع البداوة والتسيّس مشكلا بذلك الهيكل المقبل للحضارة التي ستتحدد معالمها في الكوفة والبصرة.
خرج سعد من المدينة برفقة ٤٠٠٠ رجل ـ منهم ٣٠٠٠ يمني ومن السراة (٣) ، و ١٠٠٠ قيسي أكثرهم من بني هلال (٤) ـ وحين حط سعد الرحال أول مرة ، لحق به ٤٠٠٠ مقاتل منهم ٢٠٠٠ من غطفان (٥). ولما كان في زرود وهي من مراعي تميم وأسد اختار بنفسه ٧٠٠٠ رجل من هذه التجمعات القبلية. وتجمع ٣٠٠٠٠ رجل (٦) في الجملة في شراف والتحموا بجيش في تضخم مستمرّ منهم فيما بين ٧٤٠٠ إلى ٩٤٠٠ من اليمنيين ، ويرتبط تغيّر هذا العدد بحسب ما يلتصق بنسبة اليمني من تضييق أو توسيع. وعدت ربيعة ٨٠٠٠ رجل منهم ٦٠٠٠ من بكر و ٢٠٠٠ من قبائل أخرى (النمر ، أياد ، تغلب). وحضر بشراف ١١٠٠٠ رجل من مضر منهم ٤٠٠٠ من قيس ، و ٤٠٠٠ من تميم وحلفائها ، و ٣٠٠٠ من أسد فمالت النسبة لصالح مضر. لكن الأمر الأكثر دلالة أن نسبة العناصر التي
__________________
(١) منها أسد ، وتميم ، وغطفان.
(٢) الواقع أن طرد نجران وقع بعد مدة ، لكن منطق التماثل قام منذ عصر الرسول ، واكتسى كامل دلالته في خلافة أبي بكر ، واتخذ صفة عملية في خلافة عمر.
(٣) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٤.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٤٨٣. المقصود هنا هم الألف رجل الذين جندهم سعد بنجد ؛ وما يمكن استنتاجه من أن واحدا من بني هلال قاد هذا الحشد الأول ، هو وجود أكثرية من بني هلال فقط ، لكنه استنتاج وليس بحجة قاطعة.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٤٨٦. لكن عمرا هو الذي وجه الرجال هذه المرة. المؤكد أن كلمة غطفان تشمل مجموعة من القبائل المتصاهرة مثل فزاره وأشجع وذبيان وسليم. فمثلا حضر المسيّب بن نجبة الفزاري القادسية مع أبناء قبيلته : الجمهرة ، ص ٢٥٨.
(٦) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٧.