الواقع نفسه ، أو الفصل بين التسميتين.
ويرى ماسينيون (١) وفي أثره البراقي (٢) أن أول يخص الكيان نفسه الذي تسمى باسمين مختلفين ، وقد تتضافر الدلائل على صحة هذا الرأي. لكنه ليس بديهيا من أول وهلة ، كما أنه من غير البديهي تحديد الموقع من قبل المؤلف نفسه في الشمال الشرقي عند طرف خطة ثقيف. ولنذكر أن الجبانة أو الثوية كانت لجمع أهل المدينة المشتمل على القرشيين والأنصار والثقفيين ومواليهم وحلفائهم. فما سبب هذه التسمية المزدوجة المحيرة؟ وما سبب الاشارة إلى الثوية في المصادر كلما دفن فيها أحد الأشخاص المهمين من العصر الأولي ، لا سيما زياد (توفى سنة ٥٣ ه). علما أن هذه الكلمة ظهرت أول ما ظهرت بشأنه (٣) في حين أن الجبانة لم تذكر بصفتها مقبرة سوى مرتين بمناسبة دفن (٤) الفضل بن دكين مولى آل طلحة الذي توفي في خلافة المعتصم ، وسهل بن حنيف وكان من الأنصار ومن صحابة الرسول ، وقد مات في خلافة علي سنة ٣٨ ه؟ (٥). وخلافا لذلك فإذا تعلق الأمر بأعمال تاريخية أو أشير إلى هذا المكان كعلامة طوبوغرافية للثورة ـ المختار وزيد ـ أو كنقطة للمجتمع ، فإن تسمية الجبانة هي التي ترد دائما وليست الثوية.
روي أن زيادا وقبله المغيرة بن شعبة ، وكذلك أبا موسى الأشعري (٦) ، والأحنف بن قيس (٧) دفنوا بالثوية. وقد جاء في أشعار كثيرة ذكر اسم الثوية مع قرنه بهيبة قريش (٨) وقد ورد صدى هذا الاسم في قصائد المتنبي. كان للكلمة في حد ذاتها رنين شعري وهي تخرج عن المعجم العادي ، وتضيف لفكرة الموت لونا من العطف والرقة ، جاعلة من المقبرة «دار ضيافة» : إنه المعنى الأول للأصل ث ، و ، ى (٩). لا شك أن هذا البعد هو المفسر لثنائية التسمية ، الأولى شعرية والثانية عادية. فوجب قبول هذه الثنائية لأن كلمة ثوية أصبحت تستعمل للتفخيم وهي تلطف من رهبة الموت ، وتمتزج بصورتها فقط لما تنزل على الفضلاء وعظماء القوم من قريش لتميزهم عن الآخرين ، وهي في الآخر كلمة تثير منا الخشوع.
__________________
(١) Massignon ,op.cit.,p.٧٤.
(٢) مرجع مذكور ، ص ١٤٣.
(٣) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٩٠ ، نقل الخبر عن عمر بن شبّة ؛ أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢٨١ ـ ٢٨٢.
(٤) ابن سعد ، ج ٦ ، ص ٤٠١.
(٥) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٤٧٢.
(٦) ياقوت ، معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٨٧ ـ ٨٨.
(٧) ابن قتيبة ، كتاب المعارف ، ص ٥٦٤.
(٨) أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢٨١ ـ ٢٨٢.
(٩) لسان العرب ، مادة ثوى.