الخطط ، والمدعوة أفنية أو رحابا (جمع رحبة) ، حيث يستلقي الناس على الرمال طلبا للراحة ، وحيث يجتمعون حلقة لعقد الحوار ، والتي كانت شواطىء داخلية ومساحات للراحة واللقاء وأماكن للمداولات والممارسة الاجتماعية. ويتضح هذا الأمر جيدا في فقرة وردت في كتاب أخبار القضاء ، وتعلقت بالجولات اليومية التي كان يقوم بها الشعبي (١). لكن الصحراء تقع مثلها مثل الجبانة على مستوى أعلى ، فيما يخص الاتساع والوظائف التي تقوم بها.
وقد أبدى البراقي رأيا مفاده أن الصحراء كانت مخصصة للاحتفالات والمظاهر والتظاهرات الجماعية وأن الجبانة خصصت للدفن. لكن الدفن كان يقع أيضا في الصحاري حيث أن لبيدا دفن بصحراء بني جعفر بن كلاب ، وقد عرفها البراقي دون شك بأنها صحراء بني عامر (٢). وسبق أن رأينا أن الجبانات كانت ، على النقيض من ذلك ، مقرا للتجمعات الكبرى يعني للقتال في الحقيقة. لكن المصادر ظلت صامتة فيما يخص انتشار الناس عند إقامة الاحتفالات على مستوى القبيلة ، بالنسبة للجبانات كما بالنسبة للصحاري.
وإذا ما فكرنا أن الصحراء تمثل اللون الشمالي ـ والشرقي ـ من بلاد العرب للجبانة ، وبشكل أعم صورة لعالم المدينة في اليمن وحتى في الحجاز ، فإن كانت هناك معادلة ، فإنها غير تامة. لماذا تلصق بصحراء أثير وسالم فقط صفة الجبانة ، دون الصحاري الأخرى؟ ولماذا لم يعترضنا أي شيء عن الصحاري في روايات أبي مخنف وسيف وعمر بن شبة ، حتى كمجرد علامات طوبوغرافية ، باستثناء ما ورد ذكره في شأن صحراء عبد القيس؟ (٣) وليس هناك من قائمة ، على نقصها ، سوى في فتوح البلدان ، للبلاذري. وأخيرا فإن الحالة الوحيدة التي أشير إليها بخصوص الدفن في الصحراء تتعلق بلبيد (٤) وتستند إلى صحراء جعفر بن كلاب من عامر ، التي لعلها هي جبانة سالم ، مع أن الأمر قليل الاحتمال.
وليس ثابتا أن الصحاري قد حددت واختطت منذ البداية مثل الجبانات ولا سيما
__________________
(١) وكيع ، ج ٢ ص ٤٢٤. راجع أيضا الملحوظة في أسفل الصفحة التي تحيل إلى عيون الأخبار لابن قتيبة ، وكلاهما قولان موحيان.
(٢) تاريخ الكوفة ، ص ١٢٠.
(٣) الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٢ : ورد ذكر الخبر في صلب الرواية الخاصة بزيد بن علي.
(٤) ابن سعد ، ج ٦ ، ص ٣٣. لكن مصعب بن الزبير دفن إلى جانب مسكن بالمكان نفسه الذي أقام معسكره فيه قبل المعركة التي تحمل الاسم نفسه. وما هو ذو دلالة أن المكان سمي «صحراء مصعب» : أنساب الأشراف ، ج ٥ ، ص ٣٥٠ ، حيث يقول البلاذري : «وزعموا أنها لا تنبت شيئا». حقا إن الصحراء تنتمي إلى مصطلحات مستمدة من الجغرافيا الطبيعية ، إنها مساحة ما من الصحراء المحضة ، مهما صغرت.