الشام (قصر المشتّى خاصة) (١). لكن إذا لم يشغلنا الآن المشكل المعماري ـ تصميم القصور ، وبنية الايوانات ووجودها ، والشرفات الخاصة بالأبواب ـ فذلك لا يعني أنه ليس مؤشرا رفيعا على التسلسل الرابط بين الكوفة وبغداد ، مرورا بواسط ، على مستوى التصور المدني الأوسع. على أن غرابار جعل من واسط المثال الوحيد لبغداد ، فأنزل الكوفة منزلة الأصل فقط ، بسبب التماثلات المدهشة (مثلا القبة الخضراء) والتقارب الزمني وطابع مدينة الحكم ، أي مدينة شبه امبراطورية ، الذي كانت عليه واسط. لكن العباسيين أقاموا بالكوفة وعرفوها ، واستخدموا مهندسين معماريين من الكوفة (٢) وقد بينا ذلك. وأخيرا فبالرغم من قلة الثقة المتبادلة فقد كانت لهم جذور بالكوفة ، في حين كانت واسط تجسم السلطة المكروهة التي قاموا بتقويضها. هذه عناصر نفسانية ينبغي أخذها بعين الاعتبار وهي تحملنا على الاعتقاد بأن المنصور استمد نموذجه مباشرة من واسط والكوفة معا ، مع اعتبار التأثيرات الخارجية طبعا والجانب الخلاق بالمقدار نفسه. الواقع أن واسط سمت كثيرا بالتصور المعماري الكوفي. كان كل شيء كبيرا بها ، المسجد والقصر ، ويمكن مقارنة ذلك بمنجزات المنصور بخصوص الأبعاد. كانت مدينة للحكم كما قلنا ولحكم مهدد كما أنه صار متعسفا ، لكنها كانت مدينة مصطنعة أيضا ، لا وجود فيها لمجموعة حقيقية من السكان ، خلافا لما كان عليه الأمر في الكوفة ، وفي حين أنها توافرت لبغداد ، بغداد التي بنت لنفسها مصير حاضرة كاملة مندمجة.
لقد اعتمدت المصادر المتوفرة لدينا على كتاب بحشل تاريخ واسط (٣) أساسا فضلا عن معلومات متفرقة وردت في الأدب التاريخي الجغرافي ، وعلى ما كتبه ياقوت الحموي وعلى فقرة قصيرة من كتاب البلدان (٤) لليعقوبي. كما أمدتنا التنقيبات الأثرية التي أجريت بين سنة ١٩٣٦ و ١٩٤٢ ، بمعلومات هامة (٥).
أنشئت واسط بعد ثورة ابن الأشعث (أي بين سنة ٨٣ و ٨٤ ه / ٧٠٢ ـ ٧٠٣) (٦).
__________________
(١) Grabar ,Art.cit.,pp.٩٩ ـ ٨٠١.
(٢) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج ١ ، ص ٧٠.
(٣) تحقيق كوركيس عواد ، بغداد ١٩٦٧. مات بحشل في ٢٩٢ ه / ٩٠٥.
(٤) كتاب البلدان ، ص ٣٢٢ ؛ راجع أيضا البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، الذي يتحدث خاصة عن المحيط ؛ ابن رسته ، الأعلاق النفيسة ، ص ١٨٧ ؛ المقدسي ، أحسن التقاسيم ، ص ١١٨.
(٥) فؤاد صفر ، واسط : نتائج الموسم السادس للتنقيب ، القاهرة ١٩٥٢ ، ص ٤٥ وما بعدها. ونشرت أبحاث كثيرة للمدرسة العراقية بمجلة سومر من ١٩٤٥ إلى ١٩٥٧ ذكرها بالتفصيل كوركيس عواد.
(٦) أرّخ بحشل إنشاء واسط سنة ٧٥ ه : تاريخ واسط ، ص ٤٣. لكن لا يمكن اعتماد هذا التاريخ فقد كذبته المصادر الأخرى : الطبري ج ٦ ، ص ٣٨٣ ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٨٨ : ياقوت ، مادة واسط. وقد تضاربت أقوال بحشل بلا ريب بحيث أنه يجعل بناء واسط بعد ثورة إبن الأشعث : ص ٤٤.