أما عن الوفد الموجه إلى رستم ، فقد انتقى سعد قادة تقليديين من الرؤساء ، ولكنهم رجال الإسلام أيضا ، منهم ربعي بن عامر والمغيرة بن شعبة ، والنعمان بن مقرّن (١). وما له دلالة كبيرة رواية الحوار الذي دار مع رستم ، وهو حوار كان بمثابة المواجهة الإيديولوجية التي سبقت الصدام المسلح. من البديهي أن هذه الرواية أعدت بالكوفة ، لكن متى؟ هل تمت قبل انبثاق الشعوبية أم بعده؟ هل كانت تعبر عن وعي بالارتباط بعملية الفتح فقط ، لكونها أساسا للسيطرة العربية التي كانت قائمة في مجتمع الكوفة ، فيما بين سنة ١٠٠ و ١٣٠ من الهجرة؟ أم كانت تردّ ردّا غير مباشر على تشكيكات الشعوبية ، فقدمت صورة مرضية للعرب ، صورة شعب فتي متحمس يحتقر السهولة على طرفي نقيض مع صورة الفرس كشعب أبطره النعيم؟ إن رواية الصورة الذاتية المعروضة تؤيد الفرضية الأولى ، فضلا عن أن الرواية المذكورة تشمل ذكريات كثيرة مستمدة من العصر الجاهلي. هناك جانب كبير من البناء الإيديولوجي تضمنه وصف ربعي الخشن والفظ تقريبا ؛ لكن مجموعة أسلحة المقاتل العربي جديرة بالاهتمام : إنه السيف المغمد في الخرق ، والرمح ، والترس من جلد البقر ، والدرع ، وهو سلاح لم يكن جيدا إلا قليلا (٢). وكذلك الأمر بالنسبة للصورة الأخلاقية التي قدمها العرب عن أنفسهم إلى رستم ، إذ من المناسب أن نميز بين الإسقاطات الاسترجاعيةprojections re ? trospectives ، ومبررات الفتح ، ومتبقيات الماضي الحي. ذلك أن الدوافع الاقتصادية طرحت في الميزان دون تحفظ ، ولعل الأمر كان جرى تعتيمه لو وضع الخبر في وقت متأخر : الجوع والبحث عن الأراضي الجيدة ، واشتهاء القمح واللحم ، والرغبة في النساء والأطفال ، فوقع التعبير عن كل هذه العناصر بصراحة لا تدانى. اعتداء من شعب على شعب ، نية الاستقرار ، العزم على الخروج من الجاهلية. كلّ هذا الذي نستشفه لدى الطبري في ذكره رؤية فتح العراق من الجانب العربي يبدو مقبولا إذا أرجعناه إلى الفترة المبكرة حتى ولو دونت الروايات في القرن الثاني من الهجرة (٣) ، وهو وصف للعرب يظهرهم بأنهم كانوا على شعور من صلاتهم بالتاريخ. وما يبدو أيضا قابلا للاحتمال أن الدّعوة إلى اعتناق الإسلام قبل المعركة كانت فعلية (٤) ، لكن الأشخاص الذي وفدوا على
__________________
الشاعر : الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٣١ : لكن الرواية التي شاعت كثيرا عزت حبسه إلى السكر : مثلا ابن اسحاق حسب رواية الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٧٣ ؛ والبلاذري ، ص ٢٥٨.
(١) لكن الوفد المذكور لم يشتمل على كبار رؤساء الردة ، رغم تكاثر روايات المحاورة مع رستم.
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥١٩.
(٣) لا أقل من ١٣ خبرا في هذا الموضوع ، رواها سيف. ويبدو أن أكثر الأخبار استكمالا وطرافة هي أخبار محمد ، وطلحة ، وعمرو ، وزياد ، ص ٥١٨ ـ ٥٢١.
(٤) البلاذري ، فتوح ، ص ٢٥٧.