رستم لم يقدموا الاسلام لحمل الغير على اعتناقه وإنما للتعريف بذاتيتهم الجديدة ومن أجل إفهام وشرح معجزة تلاحمهم. لقد أخلى المظهر الكوني المجال لصالح البعد القومي ، فكان إسلامهم إسلام البعث الاخلاقي للأمة أكثر مما كان وحيا بالمطلق. وواضح أن تأويل الإسلام في المنحى السياسي التاريخي لم يكن من سمات الخطاب المتأخر لعصر التصنيف المذهبي. فاما أنّه يعبّر عن مجتمع مهيمن قريب من تاريخه ، مستفهما مغامرته (كوفة سنة ١٠٠ ه) واما أنه يستعيد خاصيات عتيقة. والأمر الأكثر احتمالا أنه تمّ المزج بين هاتين اللحظتين في المجتمع العربي ، لحظة الفتح الحقيقي ولحظة رؤية هذا الفتح.
معركة القادسية
١) الاستعدادات النهائية
لقد تمت هذه المواجهة الايديولوجية عن طريق السفارات حين تواجه الجيشان قبيل القتال ، وحين احتلت الأطراف المتواجهة مواقعها. استقر العرب بعد مرحلة شراف ، في قلعة العذيب المهجورة حيث بقي سعد مريضا غير قادر على الحركة طيلة المعركة ، بينما خرج أكثر الجيش في اتجاه الفرات بين خندق سابور والعتيق ، الملاصق لقرية قادس أو قديس (١). ويحتمل أن كلمة قادسية لم تكن تدل في ذلك الوقت على اسم قرية بل على المنطقة التي حددها الخندق والعذيب والعتيق (٢). أما رستم ، فقد استقر في النجف أول الأمر ، ثم عسكر بين الحصن والعتيق : كان الجالينوس يوجد آنذاك إلى الجنوب ، بين النجف والسيلحين وعسكر ذو الحاجب بين رستم والجالينوس (٣). وسيدور القتال بين العرب والفرس وراء الفرات ، على حدود البادية العربية ، فيبقى للعرب إمكان الرجوع إلى صحرائهم. كان هؤلاء وأولئك يوجدون في أسفل منحدرات الطفّ ، بوادي الفرات. أما الفرس فقد انتشروا على ثلاثة عشر صفا حذو الفرات. وأما العرب فهم إلى الغرب وعلى ثلاثة صفوف فقط فرسانا ومشاة ونشّابة (٤) وكان العتيق يفرق بينهم.
وقد مر معنا أن الجيش العربي كان يعد ٣٠٠٠٠ رجل على أقل تقدير ، وربما تجاوز
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٩٤ الذي يقول : «ونزل زهرة بحيال قنطرة العتيق في موضع القادسية اليوم». وهذا يدلّ على أن قرية القادسية لم تكن موجودة في تلك الفترة. أما كلمة قادس التي يستعملها ابن اسحاق فيظهر أنها تعبر عن قرية قديس كما يذكرها سيف. ولعلّ التسمية الجماعية (قوادس) تشير إلى المنطقة كافة وهذا ما لا يراه صالح العلي. والملاحظ أن العتيق وصف بأنه كان مجرى قديما للفرات ، وكان يصب في الجوف ثم تحول إلى قناة.
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥١٠.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٥٥٩ ، والدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١٢٢.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٥٥٩ ، والدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١٢٢.