ذلك بقليل. وكانت الأرقام المتعلقة بالجيش الفارسي تتراوح بين ٦٠٠٠٠ و ١٢٠٠٠٠ رجل (١). والواقع أن نصف الجيش الفارسى اشتمل على الاتباع ، وعلى هذا فنحن نتمسك برقم ٦٠٠٠٠ مقاتل ، منهم ١٥٠٠٠ من الأشراف (٢) ، أي ضعف الجيش العربي. ولم يكن ذلك بالأمر المثبط قط لكن حضور الأتباع بكثرة ، ووجود ثلاثين من الفيلة ، وكون المقاتلين مترابطين بالسلاسل وكون مجال القتال محدودا نسبيا ، محصورا بين الفرات وقنواته وأعالي الطفّ ، كل ذلك جعل من الجيش الفارسي كتلة صعبة التحرك ، ثقيلة الحركات. ومما زاده تثاقلا أنه كان جيشا عظيم التجهيز مدرعا كله بالحديد ، مع أنه صار بذلك أداة حرب هائلة. وكان العرب تجاه أعدائهم قليلي العدة وقد روي أن المحاربين استخدموا سروج مطاياهم وأحزمتها بدل التروس والخوذات ، مما يوحي بالشعور أنه كان جيشا هشا (٣). لكن الرجال كانوا مسلحين ، وكانوا يمثلون نخبة القبائل حيث أمر سعد بألّا يجند إلا الرجال الممتلكون لأسلحتهم. وتمّ له ذلك بيسر ، وهو دليل على ما بلغته بلاد العرب من تطور في ذلك العصر. فلم يكن العرب برابرة بالمعنى المعهود للكلمة ، بل كانوا منفتحين على العالم الخارجي بما يكفي لكي يستطيعوا التسلح بصورة واسعة ، إما عن طريق التبادل وإما بفضل الإقتباسات التكنولوجية (٤).
ويبدو أن رستم قد فضل استراتيجية الاستنزاف على الهجوم الفوري (٥). ولا يحتمل أنه لم يدرك لحد ذلك الوقت طابع الغزو المنظم الذي اكتساه التدخل العربي في العراق ، نظرا للوضع الذي صارت عليه الأحداث : وبذلك فإن المقترحات التي عرضها على العرب والتي استهدفت العودة إلى ديارهم عودا مشرفا ، لا يمكن أن تؤوّل إلّا من باب الحرب النفسية (٦). فهل كان يريد حقا تلافي صدام مسلح لا يكون له غنم فيه إذا انتصر ، ويفقد فيه كل شيء لو هزم؟ لقد أشارت المصادر إلى حذره ، واعتماده المنجمين الذين توقعوا له
__________________
(١) ٢٠٠٠٠٠ ، مع أتباع الجيش ، كما ورد بخبر آخر : الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٠٥.
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥١٠ : ٦٠٠٠٠ هو أدنى رقم يستمد من رقم ١٢٠٠٠٠ رجل المتداول وهو يشكل عدد المقاتلين الحقيقيين. وقد خفضه عوانة كما نقل عنه الطبري ، ص ٤٩٦ ، إلى ٣٠٠٠٠ ، مخفضا عدد العرب إلى ٧٠٠٠. وروى الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٧٣ ، عن ابن اسحاق أن عدد المقاتلين ٦٠٠٠٠. راجع أيضا : Wel ـ. Ihausen, Skizzen und Vorarbeiten, VI, p. ٧٧ أما البلاذري ، فتوح ، ص ٢٥٦ ، فيذكر رقم ١٢٠٠٠٠ مقاتل فارسي.
(٣) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٥٣ (سيف) ، وص ٥٧٥ (ابن اسحاق).
(٤) وجد سعد أسلحة بقلعة العذيب. ولا بدّ أن الثلاث سنوات السابقة التي قضيت في شن الحملات ، مكنت العرب من الحصول على عدد من الأسلحة : الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٩٢.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٥٠٩.
(٦) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٥٢٣.