كارثة ، إلا أن الملك حثه على القتال (١). كان هذا الملك قليل التروي ، وقد عيل صبر دهاقين الطفّ ، فغشوه لحمله على حسم الأمر مع العرب (٢). وضايق تريث رستم المبيّت الجيش العربي البعيد عن قواعده ، فاقتصر على شن غارات على السواد لضمان الغذاء للمقاتلين ، لكن تزايدت صعوبة مثل تلك الغارات (يوم الأباقير ، يوم الحيتان) (٣). فأراد العرب كسر الطوق ، والخروج من موقف الانتظار الذي أصبح دقيقا والذي قد يؤدي إلى تفتيت معنويات الجيش ، فتحدد بذلك اختيار وقت القتال أكثر مما لو كان الأمر يتعلق بنفاد صبر يزدجرد.
٢) قضية التأريخ :
أشرنا سابقا إلى هذه القضية عند الحديث عن وقعة البويب حيث أن توقيت المعارك المختلفة في العراق مترابط ، وقد بينا أن تأريخ سيف مردود في جملته ، وبذلك نكون متفقين في الرأي مع فلهاوزن ، وكايتاني ، ويوسف. وبخصوص القادسية بالذات ، لا يمكن قبول تاريخ محرم ١٤ / فبراير ومارس ٦٣٥. وقد اقترح ابن اسحاق آخر عام ١٥ (٤) واقترح خليفة بن خياط شوال من عام ١٥ ه (٥). واقترح الواقدي أواخر عام ١٦ ه (٦). وبعد أن قدم كايتاني الحجة بصورة متبحرة ودقيقة أيضا ، مع أنها لم تكن دائما مقنعة ، انتهى به الأمر إلى تأريخ حرب القادسية في ربيع سنة ٦٣٧ بعد الميلاد ، أي بين محرم وجمادى الأولى من سنة ١٦ ه (٧). وأكد موافقته على التاريخ الذي اقترحته مدرسة أهل المدينة ، رغم فارق ستة أشهر على الأقل يفصله عن الواقدي ؛ لكن يبدو لنا أن التاريخ الذي اقترحه كايتاني ينبغي رفضه لأن شواهد شعرية وتاريخية كثيرة تحثنا على طرح تزامن وقعتي اليرموك (رجب
__________________
(١) الطبري ج ٣ ، ص ٥٠٩ و ٥٠٥.
(٢) «وعج أهل السواد إلى يزدجرد بن شهريار ، وأرسلوا إليه أن العرب قد نزلوا القادسية بأمر ليس يشبه إلّا الحرب ... وقد أخربوا ما بينهم وبين الفرات ، وليس فيما هنالك أنيس إلّا في الحصون ، وقد ذهب الدواب وكل شيء لم تحتمله الحصون من الأطعمة ... وكتب إليه بذلك الملوك الذين لهم الضياع بالطف» : الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٠٣.
(٣) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٤٩٥. كان ذلك لتغذية النساء والأطفال في العذيب وقادس حيث خرجت بعض القبائل بنسائها وأطفالها.
(٤) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٥٧٢.
(٥) التاريخ ، ج ١ ، ص ١٠١.
(٦) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٥٦ ، واعتمد ابن سعد تأريخ الواقدي ، طبقات ابن سعد ، تحقيق Sachau ، ج ٣ ، القسم الأول ، ص ٣٠.
(٧) Caetani ,Annali ,III ,٢ ,p.٣٣٦.