من ربيعة ـ ومنهم بكر التي لعبت دورا رئيسا في الغزو ـ هاجروا إلى البصرة أو التحقوا بمنازلهم الأولى شبه البدوية (١) ، حتى أن تخطيط الكوفة بالذات ، ربما كان صمّم خصيصا للمهاجرين الأوائل وبخاصة اليمنيين منهم. هذا كله يثبت أفضل إثبات ، أهمية الهجرة اليمنية وصلتها الجوهرية بالكوفة ، وفي ما يتعدّى الكوفة ، تاليا ، بمغامرة العروبة الإسلامية في مرحلتها الأولى.
«هجرة مسلحة» :
يتضح مدى أهمية دراسة مراحل غزو العراق في فهم الصراعات الاجتماعية السياسية لاحقا وبدليل أن الإسلام ، في بداياته الأولى ، وضع معيارا للتصنيف الاجتماعي هو الأقدمية الزمنية أو الأسبقية. فكانت النواة المركزية لجيش الفتح في العام الثاني عشر للهجرة ، وتدعى"أهل الأيام"تتألف من عناصر من جيش المدينة الذي يقوده خالد ، ومن عناصر من جيش بكر بن شيبان ، ولم يكن بينهم يمنيون.
وفي المرحلة الثانية ، أرسل أبو عبيد على رأس جيش لنصرة المثنّى رئيس بكر في العام الثالث عشر للهجرة. وقد تميزت هذه المرحلة بهزيمة الجسر. هذه المعارك أيضا لم يكن لليمنيين أي إسهام فيها.
أما في المرحلة الثالثة ، فقد طلب الخليفة عمر من جرير بن عبد اللّه الحميري أو البجلي أن يجمع قبيلته بالتبني بجيلة الموزعة بين القبائل في شتى أنحاء الجزيرة ، وأن يقودها للقتال في العراق ، واعدا إياه بمنحه ربع الخمس أو ربع السواد (٢). وبجيلة قبيلة يمنية شاركت في معركة البويب ، التي مهّدت لمعركة القادسية ، مع سبعمائة رجل من الأزديين المتطوعين من بارق وبالطبع بكريي المثنى. هذا العمل الرائد أكسب بجيلة مكانة رفيعة في الكوفة عندما تمّ تأسيسها.
في المرحلة الرابعة ، وهي مرحلة التجمع العربي الكبير تحت قيادة سعد بن أبي وقاص بغية خوض معركة القادسية ، دعا الخليفة عمر العرب إلى الحشد والتعبئة على نطاق واسع ، شاملا بذلك أهل الردّة الذين ظلوا حتى ذلك الوقت خارج حملات الغزو ولا يشاركون فيها. وتنقسم هذه المرحلة بدورها ، إلى عدد من المراحل الصغرى؛ فقد أحاطت بسعد بن أبي وقّاص في المدينة ، نواة
__________________
(١) Martin Hinds,«Ku?fan political align ments and their background in the midseventh century A. D»,International Journal of Middle East studies,٢ (١٩٧١),p. ٣٥٠ suiv.
(٢) الطبري ، ٣ ، ٤٦٠.