المعنى الذي اتخذه التشيع حين غدا ميثولوجيا في القرن الرابع الهجري ، وصار يميّز بين الأحياء فينعت بعضها بالمدنسة ، ويفرّق بين مساجد لعينة وأخرى مباركة ، ويرسم طريقا دينيا فوق آثار المدينة.
هكذا فإن الدعم اليمني لعلي في نضاله المسلح من أجل الحكم ، لم يكن عفويا ولا جماهيريا. عندما انتقل علي إلى ذي قار ، فور توليه الخلافة ، كان مساعدوه الأقربون من طيّ وأسد وعبد القيس الذين في البصرة ، وبكر (١). وطوال معركة صفين كان أكثر المتحمسين للقتال إلى جانب علي هم من ربيعة؛ كما يشار أيضا إلى همدان ومذحج الذين قاتلوا ، لفترة قصيرة ، إلى جانب الأشتر (٢). وعلى العكس من ذلك ، قاتلت عكّ وأشعر بضراوة إلى جانب السوريين. أما الكوفيون ، ولا سيما اليمنيون منهم ، فقد اصطفوا مع علي. لكن وراء هذا الاصطفاف كانت هناك قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية ، أكبر بكثير من مجرد موقف تحركه المشاعر العاطفية. فهو اصطفاف ظرفي أحاطت به ظروف محددة في سياق وضع محدد ، كما أثبتت بعد ذلك الأحداث ، كما أنه اصطفاف يتحدّد من خلال التراتب الاجتماعي داخل القبائل.
وقد بدا ذلك بوضوح في أثناء ثورة حجر بن عدي الكندي (٥١ ه / ٦٧١ م). فمن بين الذين شهدوا ضدّه ، كان هناك عدد من الأشراف المعروفين في القبائل اليمنية الكبرى ؛ وإنه لأمر ذو دلالة أن يكون أكثر الذين طاردوا حجرا ورفاقه ، هم من همدان ومذحج (٣). في ذلك الوقت ، لم يكن ممكنا التماثل
__________________
(١) الدينوري ، الأخبار الطوال ، طبعة بيروت ، ص ١٨٦؛ الطبري ، ٤ ، ص ص ٤٨٧ ـ ٤٨٩ ، ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، ٥٢٨ ، حيث نقرأ : «كانت ربيعة يوم الجمل تعدّ ثلث أهل الكوفة ، مع علي ، وكان منها نصف رجال المعركة».
(٢) الطبري ، ٥ ، ص ١٠ وما بعدها؛ وحول مذحج وهمدان ، ص ٢٠ ـ ٢١. الأشتر من نخع (مذحج)لكنه كان قائد موقع همدان. تحيل رواية أبي مخنف الملحمية إلى أحداث واقعية ، إلى هذا الحدّ أو ذاك ، بقيت في ذاكرة أهل الكوفة. انطلاقا من هذه المعارك الملحمية ارتسمت صورة ذاتية بطولية للإخلاص والوفاء. لكن ربيعة كانت أكثر كفاءة في القتال وأكثر فعالية وجدوى. حول تضحيات اليمن وهمدان في معركة صفين ، راجع : أنساب الأشراف ، ص ص ٥١٠ ـ ٥١١. علاوة على ذلك ، استعان علي بمعظم القادة الشيعة اللاحقين؛ فقد استعان بسليمان بن صرد وحجر بن عدي : أنساب ، ص ٤٤٧. يضع خليفة بن خياط تاريخ ، طبعة النجف ، ١ ، ص ١٧٧ وما يليها ، لائحة بالقبائل العربية الأساسية والقادة الأساسيين في معركة صفين ، ويعتبر الأشتر قائد مذحج.
(٣) الطبري ، ٥ ، ص ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.