والتطابق بين الشيعة والقبائل اليمنية ، كما لم تكن ممكنة المماثلة والمطابقة بين دعم علي (١) في حياته ، وبين شكل ما للوعي «الشيعي».
فلنتابع مسارنا التاريخي. كشفت ثورة المختار عن تطور في الوعي ، لكنها سرّعت أيضا في تطويره ، تاركة بصماتها على الحركة اللاحقة في جملتها. وقد أثبتت أو أنها ولّدت لدى اليمنيين ، وربما للمرة الأولى ، تماهيا نسبيا مع «القضية» التي غدت قضية سياسية ـ دينية اغتنت بلغة عاطفية مؤثرة. بطبيعة الحال ، كانت لثورة المختار أبعاد مركبة : فالمطالب الاجتماعية التي رافقتها وأودت بها إلى الفشل والإخفاق ، شملت قطاع الموالي الذين لم يندمجوا في المجتمع بل ظلوا على هامشه ، دهماء غير منظمة وقابلة للانفجار. وقد حجبت المشاعر والانفعالات الدينية المطالب الاجتماعية ذات الجذور العربية ، وعلى صعيدها العربي. من هذه الزاوية يجب النظر إلى الأمور بدقة. ضمّت ثورة المختار ، على المستوى القيادي ، نوعين من القادة ، كانا في الأساس ، منفصلين ، هما : الناجون من عين الوردة ، وهم من حركة التوّابين ، وأنصار المختار المخلصون. وفي كلا النوعين ، كانت الأكثرية يمنية ، أو على الأقل ، كان هناك عدد كاف لفرض كلمتها ، ومنهم : أحمر بن شميط ، عبد اللّه بن شداد ، ابن كامل ، السائب بن مالك (٢). وكان بين المتعاطفين أشراف وقادة قبائل ، منهم مثلا ، عبد الرحمن بن شريح من شبام الذي يقال فيه : «وكان عظيم الشرف» (٣) ، وإبراهيم بن الأشتر الذي غدا رأس حربة الثورة بعد انضمامه إليها. كذلك ، فإن العشائر التي لبّت جميعا نداء المختار ، على الرغم من الظرف غير المؤاتي والضغط الذي مارسته أكثرية الأشراف ، كانت في معظمها قبائل يمنية : شاكر ، خثعم ، شبام (٤). لقد سبق للمختار أن كان شديد التأثير ، بخطابه الحماسي الملتهب في نفوس «مشايخ همدان» الذين كانت الناس تشاهدهم يبكون في مسجد الكوفة (٥) عندما تذكر مآسي«ابن بنت نبيّكم». كان اليمنيون يتأثرون بكل
__________________
(١) ثمة إشكال بخصوص السّبئية. يعتقد الطبري ، تبعا لمخبريه ، بنوع من المؤامرة السّبئية العدوانية العميقة والخبيثة على الإسلام ، تتخفى وراء مواقف ديماغوجية : الطبري ، ٤ ، ص ٥٤١. وإنه لأمر ذو دلالة أن تكون الكلمة ذات أصل يمني.
(٢) الطبري ، ٦ ، ص ٨؛ البلاذري ، أنساب الأشراف ، ٥ ، ص ٢٥٣.
(٣) الطبري ، ٦ ، ص ١٢.
(٤) المصدر نفسه ، ٦ ، ص ص ٢٣ و ٣٥ ، حيث للعشائر ذكر في شعر ابن همّام السّلولي.
(٥) المصدر نفسه ، ٦ ، ص ٥٧٩؛ من يوم وصوله من الحجاز بعد لقائه بابن الزبير في العام ٦٥ للهجرة دخل المختار المسجد وجلس في حلقة همدان ليزفّ إليهم البشارة.