١٢٢ ه. هنا ، تختلط علينا الأمور : ذلك أن أول من قدّم الولاء لزيد ليسوا اليمنيين ، فكأنما المناقشات كانت قد بلغت من العمق ما جعل الخيار موقفا شخصيا ، نابعا من قناعة خاصة ، تفوق أي اعتبار آخر. فكان بين الذين ضلعوا في المؤامرة عبسيّ وكنديّ وأنصاري (١) ولم يكن هناك أي همداني. السيناريو نفسه تكرر كما مع الحسين : كان ردّ فعل السلطة أنها طلبت إلى الأشراف أن يتدخلوا من أجل تهدئة القبائل ، ثم تكفّلت القوات السورية بإتمام الباقي. لقد أخطأ ماسينيون خطأ بيّنا عندما بنى جازما موقف قبيلة بأكملها من التشيّع إلى الأبد على حادث تاريخي واحد أو على موقف شخصية تاريخية واحدة. وإنما سير الشخصيات الشيعية اللاحقة هي التي أتاحت حركة الرجوع إلى الوراء ، بدءا من واقع حالها ، لكشف المواقف والولاءات بدقة ، انطلاقا من التاريخ ومن أجل التاريخ.
ولئن كانت الثورة العباسية قد انطلقت من خراسان ، فإن رأس الثورة كان في الكوفة. وقبل أن تتمأسس هذه الحركة في دولة جديدة ، كانت قد وضعت نصب عينيها هدفا مبهما : استعادة حق آل البيت (٢). والحال ، أن أبا سلمة كان مولى ، ولكن مولى لعشيرة يمنية هي السّبيع (٣) ؛ والبيعة أخذت من الخراسانيين في الكوفة ، وفي جبانة السبيع ، لا في مكان آخر. وأبو حميد ، أحد قادة الشيعة ، الذي ارتدّ على أبي سلمة ، تأييدا للفرع العباسي ، كان حميريا. هذه المؤشرات تدلّ دلالة كافية على استمرار تيار مؤيد لحق آل البيت في أوساط اليمنيين في الكوفة. ولم يتحول التشيّع إلى إيديولوجيا ، وتتزايد فيه الانقسامات إلى ملل ومذاهب ، إلا لاحقا أي في القرنين الثالث والرابع الهجريين. وهكذا بدأ الوعي الشعبي يتعمّق ، ويتعمم الشعور بالخصوصية الشيعية. وما من شك ، كما سبق لنا القول ، في أن وعيا ما بهامشية يمنية ما هو الذي دفع إلى الالتحاق بالهامشية الأخرى ـ الشيعية ـ وإلى التواصل معها.
٢ ـ العصبية أو الصراع فوق القبلي :
سواء تحوّل هذا الصراع إلى حرب أم بقي عداء أصمّ ، فإنه يحدث على مستوى أرفع من مستوى القبيلة ، فوق القبيلة؛ فهو لا يظهر بين قبيلتين (كما كان
__________________
(١) الطبري ، ٧ ، ص ١٦٧.
(٢) Claude Cahen,«Point de vue sur la re?volution abbasside»,Revue Historique,١٩٦٣.
(٣) الطبري ، ٧ ، ص ٤١٨.