خصومة ومنافسة ، إلى آلية للحكم : تداول السلطة في الدولة. تارة يحكم «اليمنيون» وطورا «القيسيون» ، لتحقيق غاية بديهية هي فرّق تسد. وكان الأمويون ونظام حكمهم يفعلون كل شيء من أجل توسيع ذلك الصراع ، وتعميمه على الأمصار ، إلى أن اتخذ طابعه العنصري المعروف ، والذي ما لبث أن ارتدّ على النظام نفسه.
من تلك الملاحظات الأولية نستنتج ما يلي :
أ) إن معظم اليمنيين الذين انخرطوا في الصراع في الشام هم من قضاعة :
كلب ، تنوخ ، جهينة ، بلي؛ وقد انضم إليهم من أطراف اليمن : سكاسك (وهي من كندة؛ أزد). تأتي بعد ذلك ، قبائل يمنية خالصة استقرت في سوريا (حمير ، عكّ).
ب) إن ما يميّز هذه القبائل عن تلك التي في الكوفة ليس «يمنيتها» المفترضة ، وإنما هو واقع مشاركتها في الحكم الأموي. فالعداوة بينها وبين القيسيين دخلت في صلب النظام ، وأصبح كلا الطرفين قبائل حكومية بالمعنى الواسع للكلمة. وعندما هاجت العصبية في الكوفة ، أواخر العصر الأموي ، فإن القبائل السورية هي التي جلبته ، ولم يكن معنيا به إلا يمن ومضر الشام وحدهما (١).
ج) في خراسان ، كان الصراع بين الأزد وتميم وقد انتقل من البصرة.
فإذا بقيت الكتلة اليمنية الكبرى في الكوفة خارج ذلك الهيجان ، فإنه لا بد من الإجابة على السؤال : لماذا رأت هذه الخصومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية (النزاع على الحيّز المكاني في الجزيرة كان عاملا حاسما) بين القبائل المسيطرة ، والتي تتعايش مع نظام الدولة ، أن من الأفضل أن تستتر وراء شعار : يمن / عدنان؟ إن انتماء قضاعة اليمني ، هو تاريخيا ، انتماء افتراضي. ولئن كان ثمة هجرة يمنية حدثت في عصور ما قبل الإسلام ، فماذا يمكن أن يكون قد بقي عالقا منها في الوعي والذاكرة ، بعد نصف قرن من ظهور الإسلام؟ وبدلا من القول بأن عودة ما ، أو انبعاثا ما قد حصل ، نريد أن نقول إن تماهيا حديثا قد حدث بتأثير من بعض عناصر يمنية قديمة ، حديثة الهجرة إلى سوريا ، كان أحد وجوهها
__________________
(١) الطبري ، ٧ ، ص ٣١٦ ، حيث نقرأ : «كان اليمنيون من أهل الشام يقفون مع عبد اللّه (بن عمر)في الحيرة ، والمضرية مع ابن الحرشي في الكوفة؛ وكانوا يتقاتلون من الصباح إلى المساء».