في طبقة الصحابة ، أي الشخصيات التي يفترض أنها كانت قريبة من النبي ، والذين يذكر الإسناد أسماءهم ، لم يكن هناك إلا شخصيتان من أشراف اليمن ، هما أبو موسى الأشعري وعمار بن ياسر الذي كان قرشيا بالولاء. لم تشارك اليمن في الانطلاقة النبوية الكبرى مشاركة واسعة؛ وتعرضت القبائل لغزوتين ، فلجأ الهمدانيون ، مثلا ، إلى الجبال. لكن بقاء اليمنيين على هامش تلك الانطلاقة ، لم تحل أبدا دون دخولهم في الإسلام بقناعة وإخلاص ، وبأعداد واسعة. ولعلهم وجدوا في الدين الجديد طريقا للخلاص من بؤسهم السياسي والمعنوي ، ومن انحلال النظام القديم ، ومن حالة الضياع التام. كان أبو موسى وعمار نموذجا للإنسان المسلم ، قبل كل شيء؛ وقد حاول عمر أن يعتمد عليهما لتنظيم الفتح؛ ونحن نعلم تأييد عمار غير المشروط لعلي في سبيل إقامة نظام إسلامي. وضمّ الجيل الأول من التابعين ثلاثة يمنيين ضمن أصحاب ابن مسعود الستة (١) : القاضي شريح وأويس القرني ، أحد أوائل الزهّاد المسلمين (٢). وقد غدا أويس وجها بارزا بين وجوه الأتقياء في العصر الإسلامي الأول. وعلى الرغم من أن هذا الرجل لم يكن لديه أي امتياز في الإسلام ، فإن الموروث جهد كي يصنع له مثل هذا الامتياز وأن يقرّبه ، بصورة أو بأخرى ، من النبي محمد ومن الخليفة عمر. ولربما كان يكمن وراء ذلك رغبة جامحة لدى اليمنيين في التعويض عن النقص الناشئ لديهم عن بعد المسافة التي تفصلهم عن الشرعية التاريخية في سباق الوصول إليها. في الطبقة الثانية ، هناك الشعبي وإبراهيم النخعي ، وفي الطبقة الثالثة حماد بن أبي سليمان ، وهو وجه غير معروف كثيرا.
وكان الشعبي أحد رجال الكوفة المعروفين ، وصاحب سطوة ونفوذ في ميادين شتى (٣). أما حماد وإبراهيم فقد لعبا دورا أساسيا؛ فقد وضع إبراهيم تعريفا دقيقا للشعائر ، ووضع حماد أسس الحديث والفقه.
حاول جوزف شاخت في كتابه ٤أن يبيّن أن الفقه ولد في مكان واحد هو الكوفة لا المدينة ، وأن عددا كبيرا من العقائد تنسب إلى إبراهيم النخعي ، وأن
__________________
(١) ابن سعد ، طبقات ، ٦ ، ص ١٤.
(٢) المرجع نفسه ، ص ص ١٦١ ـ ١٦٥؛ يوسف خليف ، حياة الشعر في الكوفة ، القاهرة ، ١٩٦٨ ، ص ٢٠١ : مسروق والأسود وأويس كانوا أول الزهّاد.
(٣) ابن سعد ، طبقات ، ص ٢٤٦ وما يليها؛ الجاحظ ، البيان والتبيين ، ١ ، ص ٢٣؛ ابن الفقيه ، بلدان ، ص ١٧١.
(٤). Joseph Schacht,The Origins of Muhammadan Jurisprudence,Oxford,١٩٥٠