٣) سير المعركة :
ليس ما يبرّر البتة أن نتجه بتفكيرنا ، كما فعل كايتاني ، إلى القول إن المعركة دارت في يوم واحد (١). ورغم أن رواية سيف اكتست طابعا ملحميا ، فقد كانت أكثر تفصيلا ، ولا شك أنها كانت قريبة من الحقيقة نسبيا. وإذا ما حاولنا كتابة التاريخ العسكري الصرف لحرب القادسية ، ففي الامكان تشييد إشكالية كاملة للفن العسكري عند العرب ، اعتمادا على الروايات التي وصلتنا. كان ترتيب القتال قائما على الخط ، لا على الكراديس التي استخدمها مروان الثاني فيما بعد (٢) ، مع وجود جناحين وقلب. كيف كانت الوحدة التكتيكية؟ هل كانت الكتيبة؟ وفي هذه الصورة ما هو الدور الذي كان للعرافات المتركبة من عشرة ومن مائة رجل ، والتي سبق الحديث عنها؟ وهناك مشكلة مهمة أخرى : كيف يتكيف النسق القبلي بالتنظيم العسكري البحت؟ هل حافظت القبائل على وحدتها وكيانها ، بعد أن اندمجت في نظام قتالي لا يخضع مبدئيا إلا لغاية خاصة به؟ (٣). يدور الحديث مثلا حول كتيبة أسد (٤) ، وفي اليوم الأول من وقعة أرماث ، نشعر تماما أن القبيلة ـ مثل بجيلة ، وأسد ، وتميم ـ أصبحت العامل الأساسي للتحرّك. ويمكن أن يكون قد سخر سعد عبقريته كلها لحماية تماسك وحدة القبيلة مع صهرها في الوقت نفسه في هياكل استراتيجية وتكتيكية للجيش ، بمعنى أن يجد الحل الوسط بين البنية القبلية والبنية العسكرية الصرف. أما عن العمل العسكري ذاته فتبقى الأمور غامضة. يجري الكلام عن المطاردة والطراد (٥) (هل كانت ملاحقات للخيالة؟) ، والجولان (دورات الخيل ومبارزات؟) ، والزحف أو
__________________
(١).Caetani ,Annali ,III ,p.٦٥٦ ـ ٧ يتحدث الواقدي عن «يوم القادسية» : البلاذري ، ص ٢٥٦ ، لكن ذلك لا يدل على أنه ينبغي اعتبار يوم بمعنى «يوم واحد». أما ابن اسحاق ، فلم يحدد المدة وقد استنتج كايتاني أن البلاذري تأثر بمدرسة العراق عند حديثه عن ثلاثة أيام ، معتمدا رواية للشعبي ، وكيف لا يكون الأمر كذلك بالنسبة لرواية أحداث تهم أهل العراق في المقام الأول؟
(٢) Wellhausen, Das Arabische Reich und Sein Sturze, ، نقله إلى العربية أبو ريدة ، القاهرة ، ١٩٥٨ ، ص ٣٥٨.
(٣) يرتب سيف رؤساء القبائل في آخر السلم ، بعد أمراء التعبئة (المشاة والفرسان والطليعة دون شك) ، وأمراء الأعشاء ، وأصحاب الرايات : الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٩. هذه أمور كلها غامضة ويكاد يكون مستحيلا كذلك تكوين فكرة عن التنظيم العسكري العربي ، اعتمادا على روايات أبي مخنف المتعلقة بالفترة اللاحقة ؛ راجع الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٥٧ ، بخصوص وجود فرق المائة.
(٤) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٣٩. من الممكن أن تكون الكتيبة هي الوحدة التكتيكية بينما الوحدة الاستراتيجية هي الجناح والقلب والطليعة.
(٥) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٣٨ ، وغيرها حتى صفحة ٥٧٦. وكذلك الأمر بالنسبة للمصطلحات الأخرى التي استخدمها سيف.