الهجوم الشامل. وقد ذكر سيف ما يلي : «كان يكون أول القتال في كل أيامها المطاردة» (١). ويبدو أن المطاردات كانت تتمادى على شكل اشتباكات عنيفة ، لكن باستثناء اليوم الأخير ، لم يكن يعني الأمر سوى مواجهات ظرفية ، ولم يشن الهجوم العام إلا في النهاية.
ولنتعمق في الأمور عن كثب. لقد دامت المعركة أربعة أيام وليلة : يوم أرماث ، ويوم أغواث ، ويوم عماس ، وليلة الهرير ، ويوم القادسية.
أ) في اليوم الأول ، واجهت القبائل صدام الفيلة ، وكانت على التوالي بجيلة ، ثم أسد ، ثم تميم (٢). وقد تمثل المشكل عند العرب من وجوب التصدّي للصدام ، والتنسيق بين نشاط القبائل ، وإبطال تأثير الفيلة. وقد تحقق لهم ذلك حين لجأوا إلى تجريدها ، وتمزيق أغطيتها الفاخرة وسيورها ، وتحطيم المحامل. كان يوما شديدا على العرب فقدوا فيه ٢٥٠٠ من القتلى وأشرفوا على الكارثة مرارا ، لكن الغموض الذي اكتنف تفاصيل العملية لا يزول : فمن جهة ، يروى أن الجهد الفارسي تركز على نقطة محدّدة من المكان الذي عسكرت فيه بجيلة ، وأنه وجب أن تتدخل أسد وتميم إنقاذا للوضع. ومن جهة أخرى ، تتحدث الرواية عن مرحلة الطراد ، مرحلة تشابكت فيها الكتائب وعن تكبيرة رابعة لسعد تأهبا للهجوم العام أو الزحف ، لكن لم يتم هذا الهجوم إلا في اليوم الرابع : فكأن الرواية مترددة في تجميع الأحداث في يوم واحد أو في تمييعها (٣).
ب) يطرح يوم أغواث مشكلة المساعدات القادمة من الشام. هل كانت مهمة وحاسمة أم كانت بمثابة الدعم النفساني أكثر منها مساعدة حقيقية؟ تحدث خبر عن إرسال ٦٠٠٠ رجل من أهل العراق (كانوا من المقاتلين المتمرسين الذين خرجوا مع خالد) من
__________________
(١) المرجع نفسه ، ص ٥٤٥.
(٢) نتبين من خلال الرواية شحناء ما بين القبائل. وذلك دليل على أن دور القادة من رؤساء القبائل كان مهمّا على الرغم من تهميشهم على الصعيد المؤسّساتي : راجع الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٢٩ ـ ٥٤٠. وقد قتل ٥٠٠ رجل من أسد.
(٣) وعلى هذا ، يسترد كل قيمته نقد كايتاني لما تضمنته رواية سيف من تناقضات. بدأ سيف يتحدث عن توصيات سعد الذي حدد تكبيراته تماشيا مع مراحل القتال ، فخصص التكبيرة الرابعة للهجوم العام ، لكن هذه الخطة العامة تتنافر ومدة القتال الذي استمر أربعة أيام : الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٣٥. ثم تضطرب الرواية في الأيام التالية وكأن التكبيرة الأخيرة بقيت معلقة. وفي خصوص يوم عماس يعود الخبر إلى المزج بين عناصر سبقت روايتها وبين قضية سعد ، ص ٥٥٩ وما بعدها ، كأن الأمر يتعلق بإجمال للعملية كلها ، أقحم في اليوم الثالث وكأن المقصود منه وصف يوم عماس ، أو أن سيفا رتب استخدام رواية مستقلة تصف مجمل الدراما في يوم واحد.