به وقتل. كان النصر العربي كاملا. أما ما يثير الاستغراب في الجانب الفارسي فهو اتساع الانهيار أكثر من الهزيمة ذاتها ، وما لحق الفرس من تقتيل وقد تشتتوا شذرا مذرا ، واستسلموا ، وهو ما لم يكن متوقعا بعد صلابة المقاومة الفارسية التي استمرت ثلاثة أيام وليلة.
٤) تفسير وقعة القادسية ودلالتها :
فتح النصر في القادسية طريق العراق للعرب ، العراق الذي يجب اعتباره الآن مفتوحا ، بعد القضاء على القوة العسكرية الفارسية. وقد تضمن هذا النصر على المدى المتوسط بذور نهاية الامبراطورية الساسانية وغزو فارس ذاتها وإخضاعها. ويعترف كايتاني أن نتائج معركة اليرموك كانت أقل أهمية من نتائج معركة القادسية لكنه يجادل في أن يكون لهذه المعركة صبغة درامية. قال : «كانت القادسية معركة ناجحة في يوم واحد ، وكانت اليرموك الخلاصة والأزمة القصوى لحملة طويلة شاقة استمرت ثلاث سنوات» (١). ومن المؤكد كما أسبقنا أن الشام اكتسبت أهمية أعظم من العراق ، في مسيرة الفتح العربي ، وأنها استقطبت القدرة العسكرية لدولة المدينة ، بمعنى تلك القوة الضاربة التي أنشأها الرسول ، ثم طورها أبو بكر وعمر. وخلافا لذلك ، جرى اللجوء دوما إلى قوات قبلية فرعية ، في خصوص العراق ، كانت مستقلة نسبيا. ويحتمل أيضا أن بيزنطة اعتبرت في بداية الأمر الخطر الأساس الذي كان يستوجب أسرع رد ممكن ، وأكثره تنظيما وتواصلا ، كما اعتبرت الشام امتدادا طبيعيا لبلاد العرب. وهو ما يفسر استمرار الجهد المبذول وتماسكه بالنسبة لجبهة الشمال. لكن لا يعني ذلك إطلاقا أنه تمّ استنقاص الفرس من الوجهة العسكرية. ومن المعروف أن العرب ترددوا في الهجرة إلى العراق ، وقد مر معنا ما كان من خطورة الهزيمة التي مني بها العرب في معركة الجسر ، وهي الوحيدة التي ألحقت بالعرب والتي كان لها مثل تلك الأهمية. وتدل الأخبار الكثيرة التي وردت في المصادر على الشعور بالنقص الذي انتاب العرب أمام القوة الفارسية ، وقد وجب التغلب على إحباط نفسي حقيقي لمواجهتها (٢).
كانت وقعة القادسية كوقعة اليرموك تتويجا لعمل دام ثلاث سنوات. وليس لها أن تكون نصرا يسهل قطفه إلا إذا أخفق الفرس في تنظيم أمورهم من جديد ، ولم يجر الأمر على ذلك النحو. كانت حقا امبراطورية بكامل مواردها وتنظيمها ، وتقاليدها العسكرية
__________________
(١) Caetani ,Annali ,III ,٢ ,p.٩٥٦.
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٤ ـ ٤٨٥. كان «الأسد» لقب الفرس وربيعة ـ نعني بها بكرا ـ كانت تلقّب بربيعة الأسد لأنها كانت الشريك الأكبر ، في الحرب ، للساسانيين. واستمرت حتى صفين الفكرة القائلة إن لربيعة خبرة كبيرة في الحرب.