إن حصار بهرسير سبق الدخول إلى المدائن وكان تمهيدا له. وكانت بهرسير ذاتها جزءا من مجموعة المدن المكوّنة للمدائن الكبرى ، فضلا عن إمكان اعتبارها مفتاح المدائن ـ طيسفون بالذات ، بتسمية «المدائن الدنيا» تجاه «المدائن القصوى» (١). لقد تكون مركّب المدائن أصلا انطلاقا من مدينتين (٢) هما سلوقية غرب دجلة المؤسسة بين ٣١٢ و ٣٠١ قبل الميلاد ، وطيسفون شرقا (٢٢١ ق. م.) وهي وريثة أوبيس.Opis لكن في حين أن المدينة الواقعة شرقا تطورت وأدمجت القرى المجاورة ، واتسعت أيضا بفضل إنشاء مواطن جديدة (مثلا رومية حيث وطّن المهاجرون من سلوقية الشام في ٥٤٠ بعد الميلاد ، والتي لا ينبغي أن تشتبه علينا بسلوقية توأم طيسفون) ، فإن المدينة الواقعة إلى الغرب التي كانت من أصل يوناني ، تبدو قد تقلصت. ولم يبق فعلا منها سوى الجزء الجنوبي الذي أعيد تسميته بيه ـ أردشير ، من طرف الساسانيين (٣). ويطابق هذا الاسم الصيغة المعربة «بهرسير» المشتقة من الأرامية ، وكان يصل جسر بين بهرسير والمدائن وقد مكّن الفرس من إخلاء مدينة بهرسير والاتجاه إلى الشاطىء الشرقي ، دون أن يتفطن العرب إلى ذلك. ثم حطموا الجسر وسحبوا كل السفن فدخل العرب مدينة قفراء. وشاهدوا عن بعد القصر الأبيض لكسرى (٤) ، وكان رمزا خياليا للعظمة والحضارة الفارسية. إنها للحظة مشهودة في خضمّ مغامرة خاطفة. ولا ريب أن الفرس فكروا في الاستفادة من مهلة ما ، في المدائن الشرقية ، حتى يرتبوا أمورهم ، ويضمنوا إجلاء منظما للعائلات والكنوز الملكية الهائلة. فوجه يزدجرد أهل بيته إلى حلوان بعد أن تم الاستيلاء على بهرسير (٥). لكن العرب عجلوا باحتلال المدائن ، بصورة لم يكن يتوقعها الفرس ، وقصروا الإقامة في بهرسير ، فاتجه العمل العسكري بأكمله عند ذلك إلى السباق نحو الغنيمة إذ وجب اللحاق بها قبل أن تطير.
وتم عبور دجلة عبورا ملحميا على الخيل (٦). توجه في البدء عاصم بن عمرو عاجلا في الطليعة مع ٦٠٠ رجل منهم ٦٠ مقاتلا خرجوا للاستكشاف فنجحت العملية ، وفرض عاصم رقابته على ضفة النهر بعد الفراغ من مناوشات صغيرة ، وسرعان ما لحق به أكثر
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٨.
(٢) Streck, art.» Mada\'in «, E. I / ١; Le Strange, op. cit. p. ٣٣ ff. Hertzfeld, Archaeologische Reise,. II, p. ٦٤ ـ ٦٧. وأورد ياقوت في معجم البلدان ، ج ٥ ، ص ٧٤ ، قائمة منقوصة لمختلف المدن ، كما أورد اليعقوبي في كتاب البلدان ، ص ٣٢١ ، قائمة لها.
(٣) (واه) حسب Streck و (بيه) حسب Le Strange ، وهو لا يعني أردشير الطيب بل بيت أردشير.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٨. لا ينبغي الخلط بين القصر الأبيض والإيوان ، لكن كليهما كانا على الشاطىء الشرقي.
(٥) الطبري ، ج ٤ ، ص ١٣.
(٦) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٩ ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٣ ؛ الأخبار الطوال ، للدينوري ، ص ١٢٦.