الجيش بأمر من سعد الذي كان حاضرا بنفسه. إنها لمفخرة بالنسبة لأولئك العرب الصحراويين أن يتخلصوا من خوفهم من الماء ، ويتحدّوا عظمة دجلة وزبدها وموجها الأجاج ، ولم يفت سيفا طبعا أن يفاخر «بيوم الماء» (١) ، لكن الواقعة وردت في أكثر الأخبار. بعد الوقعة وفي هذه المرة أيضا تشتت السكان ، وفرّ الملك وكان لفراره طابع الفاجعة ، ودخل الجيش العربي مدينة قفراء واقتحم القصر الأبيض والإيوان بعد استسلام المدافعين ، وأقام سعد صلاة الفتح في الإيوان بين التصاوير الحائطية والتماثيل (٢).
وبعد قرنين من ذلك جاء البحتري متأملا منشدا شعره أمام الإيوان ، فأهدى الدولة المنقرضة درة من درر الشعر العربي (٣). واستولى الفاتحون على الغنيمة التي كانت تعادل نصف أموال الملك المقدرة بثلاثة مليارات من الدراهم (٤). وكانت هذه الذخائر ثمرة لتقليد طويل مقام على خزن المال زاد تأكدا مع السياسة الخرقاء التي سار عليها أبرويز. وقد سلمت أربعة أخماس الغنيمة إلى الرجال وتجاوز نصيب الفرسان مرتين أو ثلاث مرات نصيب المشاة (الحمراء المتحالفين فقط أم أن هناك مشاة من العرب؟) (٥). ووجه الخمس المتبقي إلى المدينة بعد أن أجاز سعد بعض القادة. ووافق المقاتلون على عدم اقتسام كسوة الملك وجواهره ، وبساط كبير مرصّع بالأحجار الثمينة ، وقرروا توجيه كل هذا إلى الخليفة (٦). وقد روى سيف حكايات شيّقة بهذا الصدد ، فقال مثلا إن الغالبين العرب ظنوا الكافور ملحا ، واستبدلوا بالتساوي الآنية الفضية بالآنية الذهبية (٧). أما بالمدينة وحول عمر فقد ساد الوجوم والعبث ، والانبهار الكبير والتذكير بزيف الدنيا.
سيتبين أن الاستيلاء على المدائن كانت له أهمية قصوى من حيث منطق الفتح العربي ومن حيث التنظيم الآتي للبلدان المفتوحة. واستقر بها العرب بصورة مؤقتة (٨) ،
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ١٣.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ١٥ ـ ١٦ : وأقيمت بعد صلاة سعد المفردة أول صلاة جامعة في العراق ، والتاريخ المحدد لها هو صفر من سنة ١٦ ه.
(٣) في ٢٩٠ ه. راجع قصيدته المشهورة التي تضمنتها مقدمة ديوان الحماسة للبحتري ، ط القاهرة ، ١٩٢٩ ، ص : س إلى ف.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ١١.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٢٠ ، زعم سيف أن عدد الفاتحين كان ٦٠٠٠٠ وأكد أنهم كانوا جميعا من الفرسان وأن نصيب كل واحد منهم كان ١٢٠٠٠ درهم.
(٦) المرجع نفسه ، ص ٢٠ ـ ٢١.
(٧) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ١٧ ؛ الأخبار الطوال ، ص ١٢٧ ؛ فتوح البلدان ، ص ٢٦٣.
(٨) الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٠ ـ ٢١ ، قسمت دور المدائن بين الفاتحين بعد أن استولوا على الغنيمة كلها التي كانت موجودة فيها.