يتحدث عن وجود وال عربي بحلوان في موضع آخر من كتابه (١).
وعلى النقيض من ذلك ، تنسب روايات ملحّة إلى عمر رفضه رفضا تاما المساس بأرض فارس ، معبرا عن عزمه على الاكتفاء بالسواد (٢). ويبدو جيدا ، فضلا عن ذلك ، أن المقاومة الفارسية هدأت وسبب ذلك قد يرجع إلى أن الفرس حصلوا على تطمينات من جانب العرب بالتوقف عند حدود العراق. لكن حلوان كانت توجد في إيران. فهل أفهمهم العرب ، وهل فهم الفرس أن ذلك الأمر يشكل استثناء يعود إلى موقع حلوان وضرورتها لحماية العراق من وجهة نظر العرب؟ فالدينوري يقدّم وجود العرب بحلوان والأهواز على أنه السبب في الرد الفارسي الذي مهّد لتحرك الهرمزان كما لمعركة نهاوند (٣) ، لكن العمليات العربية في الأهواز لم تبدأ إلا سنة ١٧ ه. وهي تنتهي سنة ٢١ / ٦٤٢ بالاستيلاء على تستر. أم هل وضع الجيش العربي يده على حلوان ضمن عمل منفصل متأخر بالنظر لمعركة جلولاء وربما بعد الاستقرار بالكوفة؟ يبقى السؤال بدون جواب.
وتتضح الأمور أكثر بخصوص شرقي الجزيرة لأن رواية سيف غير قابلة للتصديق. يريد سيف حملنا على أن نصدق أن الجيش العربي انقسم نصفين في المدائن ، فاتجه قسم منه إلى جلولاء واتجه قسم آخر إلى شرقي الجزيرة ، ولا سيما الموصل التي وقع اقتحامها والاستيلاء عليها سنة ١٦ ه (٤). ويكون هذا القول في رأي هيل بمثابة التعويض بالنسبة للكوفيين الذين بقوا في الواقع في حالة فراغ طيلة أربع سنوات و «لم يحاولوا فتح الجزيرة الشرقية رغم خلوها من العوائق الطبيعية وفراغها من قوات معادية» (٥). ذلك أن الجزيرة فتحت في جزئها الغربي خاصة الذي كان أكثر ثراء ، انطلاقا من الشام سنة ١٩ ه. ولم يستول عتبة بن فرقد القادم من العراق ، على الموصل وتكريت إلا سنة ٢٠ ه ، مع أن هرثمة بن عرفجة الذي كان أحد الشاميين الذين شاركوا في فتح الجزيرة بصحبة عياض بن غنم هو الذي تولى تخطيط الموصل (٦). وستقع هذه المدينة في فلك الكوفة ، لكن يمكن القطع بالقول إن إخضاعها لم يقع إثر وقعة جلولاء. فلا يمكن إذن إدراج الموصل ، وقرقيسيا ، ومن باب أحرى ماسباذان ـ التي استولى عليها أبو موسى بعد نهاوند (٧) ـ ضمن
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٣٢٩ : المقصود هو عزرة بن قيس البجلي بالذات.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٨.
(٣) الأخبار الطوال ، ص ٢١٩.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٥ ـ ٣٦.
(٥) Hill ,ouvr.cit.,pp.٤٩ ـ ٧٩.
(٦) فتوح البلدان ، ص ٣٢٧ ـ ٣٢٨.
(٧) المرجع نفسه ، ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥.