فتوحات المدائن لسنة ١٦ ه ، خلافا لمزاعم سيف. ولم يبق إلا حلوان التي تطرح علينا مشكلا. يعني كل هذا أن العرب ركزوا جهودهم بعد وقعة القادسية على طرد الساسانيين فقط ، وإخضاع وادي دجلة والفرات دون التقدم خلف ذلك الخط سواء في اتجاه الجزيرة أم في اتجاه الأرض الإيرانية. وتوارت الغاية العسكرية لصالح قضايا التنظيم والاستقرار ، كما أن اختيار الكوفة بالذات بدل المدائن كمركز للسكنى ينبىء بالرغبة في الوقوف عند حد المواقع المكتسبة.
تنظيم السواد :
لن يتم إنشاء الكوفة قبل نهاية سنة ١٧ ه وبداية سنة ١٨ (١) ، أي بعد أربعة عشر شهرا من احتلال المدائن (٢) ، وبعد سنة من انتصار جلولاء بحيث أن سنة ١٧ بقيت سنة استراحة وتفكير وتنظيم. لقد تحول عمر إلى الشام في سنة ١٧ ه ، لكي ينظم أوضاع المقاتلة (٣) ، ويحل مشاكل الدفاع والاستقرار والأعطيات ، لكن هل قام بذلك بالنسبة إلى كل الأقطار المفتوحة بما فيها العراق ، عند تحوله هذا؟ لا تؤيد النصوص ذلك بل هي تقول العكس ، بمعنى أنه تمّ فضّ المسائل المعلقة بالشام ولم يفض سواها (٤). وعلى النقيض من ذلك يحثنا الوضع العام على الاعتقاد بأن التشاور المستمر بين عمر وسعد خلال عام ١٧ ، أدى إلى إعداد وضبط النظام الشامل الذي سيخضع له العراق (٥).
فبعد أن تبلور الوضع ، تحول أكثر الجيش المعسكر بالمدائن إلى الكوفة العتيدة. ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك ، لأن الاتجاه إلى اختيار تمركز الجيش بمعسكر ارتبط باختيارات مسبقة أخرى هي : عدم اقتسام البلاد المفتوحة بقوة السلاح ، وإبقاء الفلاحين على أراضيهم والاستمرار في العمل بالهياكل الجبائية الساسانية ، والعمل بفكرة تسديد نفقات المقاتلين بواسطة العطاء. كما أن الصلة واضحة بين هذه الاختيارات الأولى التي جدّت في البلاد المفتوحة عملا برأي عمر ، والانشاء المركزي العام للديوان ، وقد أدرك
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٢ ، قد اعتمد خبرا أورده الواقدي ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ ؛ Caetani,. Annali, III, ٢, p. ٣١٨ ـ ٣٣; Chronografia ـ ـ ـ , I, p. ٩٩١. أرّخ سيف إنشاء الكوفة في بداية سنة ١٧ ، وهذا تاريخ غير مقبول : الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٠. ويبدو لنا أن آخر سنة ١٧ أكثر اقترابا من المعقول من بداية سنة ١٨ وهو التاريخ الذي أخذ به شعبان ، انظر :.Shaban ,Islamic History ,p.١٥.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٢.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٥٩. لم يتجول عمر إلّا مرة واحدة في هذه السنة ، بسبب انتشار الطاعون.
(٤) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٦٤.
(٥) البلاذري ، ص ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ؛ الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٠ ـ ٣٢.