سيف هذه الصلة لكن لا يمكن موافقته على تأريخ ذلك في سنة ١٥ (١). وهو بهذا يناقض نفسه لأنه يعيد الكلام في الأمر بعد حرب جلولاء (٢) فيفصّل لنا أوامر عمر الجديدة ومقرراته بخصوص الفيء والجزية والخراج الخ ... على أن أخباره ثمينة المحتوى. إن الروايات العراقية الأكثر قدما وهي روايات مجالد والشعبي جاء بها تأريخ تأسيس الديوان بآخر سنة ١٧ ، أي بعد إنهاء فتح الشام والعراق ، وبعد جباية محاصيل الخراج الأول (٣) ؛ أما الروايات المدنية كما جاءت عند الواقدي والزهري ، فقد اقترحت تاريخ محرم سنة ٢٠ / ٦٤٠ (٤). الواقع أن هذا الخلاف يفسر كثيرا من الأمور. إن الديوان كسجلّ لتسجيل أسماء مستحقي العطاء ، عملا بالترتيب الذي تصوره عمر الذي انطلق من المغامرة الإسلامية بأكملها منذ وقعة بدر ، كوثيقة ضبطتها وحددتها الكتابة ، والديوان كمؤسسة لنسق توزيعي عام ، تقرر إنشاؤه على الأرجح سنة ٢٠ / ٦٤٠. لكنه بهذه الصفة كان امتدادا معقلنا للاختيارات التجريبية التي جرت في البلدان المفتوحة فور الفراغ من القتال ، أي في سنة ١٧ / ٦٣٨ ، بعد أن استقرت الأمور ، بحيث كان صعود من أسفل إلى أعلى ، لا العكس. وهذا ما يفسر أن البلاذري قسم إلى فصلين متميزين الأحكام التي يخضع لها السواد ومؤسسة الديوان ذاتها (٥). وقد فعل ذلك كبار الفقهاء ، منهم أبو يوسف (٦) وأبو عبيد بن سلّام (٧). فأصبح الديوان الكتابي عملا منسجما جاء بعد الوضع الناشيء عن القرارات الحية ، وشمل بالخصوص النخبة الإسلامية بالمدينة وأقرها على رأس النسق. فما هي هذه الاختيارات الأساسية بالنسبة للعراق؟ يعتمد قسم من جملة المواد التي وصلتنا على الظروف التاريخية السائدة في ذلك العصر ـ نعني رواية سيف والاخباريين ـ ووقف قسم آخر موقف الفقهاء ، فقدم الأمور تقديما منطقيا إسلاميا. ولا يوجد أي سبب لرفض رواية دون أخرى إذ لو عمل عمر طبق تصميم سياسي قبل غيره ، فلا يتصور كيف أنه فعل ذلك متجاهلا تعاليم القرآن التي حددت أعمال الرسول.
ولنترك جانبا المدن القليلة التي تمتعت بعهد وكانت مدنا ثانوية تماما ، علما أنها فسخت
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٦ ـ ٦١٩.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٣١ ـ ٣٣.
(٣) فتوح البلدان ، ص ٤٣٥.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٤٣٦.
(٥) وضع جلولاء مباشرة ضمن الفصل المتعلق بفتح السواد ، ص ٢٦٥ ـ ٢٧٤ ، والديوان في آخر كتابه ، ص ٤٣٥ ـ ٤٥١.
(٦) أبو يوسف ، كتاب الخراج ، على التوالي ، من ص ٢٣ إلى ص ٣٩ ومن ص ٤٢ إلى ص ٤٧. ترتبط مؤسسة الديوان في هذا الصدد بفكرة العطاء لصحابة الرسول.
(٧) كتاب الأموال ، طبعة القاهرة ، ص ٥٧ وما بعدها وص ٢٢٣ ـ ٢٢٧.