هذا العهد لا محالة ، حين تراجع العرب مؤقتا ، فمنح العهد من جديد لبعض المدن. إن فتح العراق وقع عنوة على حساب سيد قديم ـ الملك الساساني ومن والاه ـ لكن أكثر الأشخاص العائشين في العراق كانوا غير إيرانيين ، كانوا أنباطا كما سموا في اللغة العربية وكانوا من الساميين الآراميين. وقد أرغموا منذ ألف سنة على البقاء في وضع الفلاحين يدفعون الطسق أو الخراج والجزية : كانوا من المزارعين والعمال والفلاحين ، فشكلوا عامّة الأرياف الضخمة التي قدر عددها ب ٥٥٠٠٠٠ شخص ، حسب تقدير عثمان بن حنيف الذي أحصاهم وختم عليهم كما روي (١). وبذلك كان في العراق صنفان من الأراضي : أراض كانت على ملك التاج وكبار الملاك الإيرانيين الذين حاربوا العرب ، وأراض استقر فيها أكثر الفلاحين في البلاد بإشراف الدهاقين. وقد استولى الجيش العربي على الصنفين ، لأن عددا كبيرا من الفلاحين فروا أمام تقدم هذا الجيش. وحسب السنن العربية للحرب فالأرض والرجال (٢) تعتبر غنيمة يقتسمها المقاتلة. وورد ذلك أيضا في تعاليم القرآن الذي ينص على أن كل ما أخذ عنوة يعتبر غنيمة تسلم أربعة أخماسها إلى المقاتلة والخمس الباقي يسلم إلى الله ورسوله أي إلى الخليفة (٣). ويحدد القرآن الفيء كهبة من الله لم يكن من اللازم أن يحصل قتال من أجله ولذا فهو يعود كاملا إلى الله ورسوله (٤). ومن المعلوم أن النبي استولى على أموال بني نضير لمساعدة المهاجرين المعوزين إذ اعتبرها فيئا (٥). فحلّ التقسيم كان يبدو حتميا إذن في العراق لكن عمر اختار عدم التقسيم. فثار نقاش كبير في المدينة حول هذا الموضوع : تمسك عبد الرحمن بن عوف وبلال خاصة تمسكا شديدا بمبدأ التقسيم ، وعارضه عمر ، وكان علي أول المؤيدين له ، وكذلك طلحة ، وعثمان ، وعبد الله بن عمر ، ومعاذ بن جبل (٦). ولجأ الخليفة إلى تأويل اجتهد فيه شخصيا لإحدى آيات سورة الحشر تعلقت بالفيء فتعرضت لأوضاع المهاجرين والأنصار ، وجاء فيها بعد ذكر هؤلاء ما يلي : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) فاعتبر عمر أن الآية تقصد الأجيال القادمة (٧).
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٧٠ ؛ يبدو أن سعدا لم يجد سوى ٠٠٠ ، ١٣٠ وراء دجلة بعد جلولاء : الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٠.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٠. روي أن نصيب كل مقاتل كان ثلاثة رجال.
(٣) لا يميز القرآن بين الأموال المنقولة والعقارية ، سورة الأنفال ، الآية ٤١ ، بل عمر هو الذي ميز بينها.
(٤) سورة الحشر ، الآية ٦ إلى ١٠.
(٥) سيرة ابن هشام ، ط ١٢٧٦ ه ، ص ٦٥٢ وما بعدها. لكن كلمة فيء لها أيضا معنى أعم يدل على الغنيمة.
(٦) دار النقاش أساسا بخصوص الشام ، لكن أيضا في شأن العراق : أبو يوسف ، كتاب الخراج ، ص ٢٦ ؛ أبو عبيد بن سلام ، كتاب الأموال ، ص ٥٩ ـ ٦٠.
(٧) لكن مثل هذا التأويل الذي استهدف اقحام المهاجرين والأنصار والقادمين الجدد بفيء بن نضير ، تأويل غير صحيح بداهة لأن الأنصار وغيرهم أقصوا عنه : ذكرهم القرآن محرضا إياهم على إخراج ما في قلوبهم من