من المهم أن نلاحظ ، انطلاقا من فكرة الاستمرارية الزمنية للأجيال المسلمة ، أن عمر اعتبر الثروة العقارية في العراق فيئا ، حسب ما ذكر الفقهاء. ومضمون ذلك ليس أن الدولة تتصرف بها حسب مشيئتها ، بمعنى أن تنزعها من المقاتلة ، بل معناه أن على الدولة أن تقوم بدور الوساطة ، وتبتكر حلا وسطا يجعل من الفيء ملكا مشاعا للمجتمع الإسلامي ، فيشمل بداية وقبل كل شيء كل الذين قاتلوا من أجله. وبهذا المعنى يقع الفيء في الوسط ، بين الغنيمة المكوّنة من الأموال المنقولة والقابلة للتقسيم ، والخاضعة لدفع الخمس إلى بيت المال (١) وبين التصور القرآني للفيء الذي يوكله تماما إلى مشيئة الرسول ، فصار الفيء نوعا من الوقف تتصرف به الدولة لمصلحة الجميع ، الحاضرين منهم والغائبين (٢). ووافق أفراد الجيش على ذلك بعد أن استشيروا على تصور الأمور هذا. وأفضل من ذلك : فيما يخص الأراضي الملحقة بالتاج الساساني والمحاربين الإيرانيين والمعروفة بالصوافي ، لكن أيضا بالفيء أكثر تحديدا ، فقد خوّل لهم تقاسمها ، لكنهم فضلوا عدم التقسيم. وقد ذكر سيف أنهم فهموا أن تفرقهم في السواد قد يضرّ بالتأكيد بوظيفتهم الحربية كما يضر بعزمهم على البقاء معا (٣).
لنتمعن في الأمور عن كثب. عاد الفلاحون سكان المنطقة الواقعة بين الفرات ودجلة وكذلك فلاحو ما وراء دجلة ، إلى أراضيهم بعد تبدد الرعب ولا سيما أنهم شجعوا على العودة. فنجوا بداية من العبودية حيث أن عودتهم قامت مقام العهد وبقوا على حالهم في استغلال الأرض (٤). وكل الذين لجأوا إلى الفرس ولم يعودوا عن طيب خاطر ، استثنوا من
__________________
ضغينة بسبب استثنائهم بالذات من الفيء. يلاحظ بلاشير : Blache ? re ,Coran.III ,p.٩٧٩ ، أن الآية العاشرة لا ارتباط لها بالآية السابقة من الوجهة النحوية. وعندي أن الأمر ربما تعلق بسوء تأويل للقرآن أقدم عليه أبو يوسف ، ونسب إلى عمر لا غير. ويمكن تفسير ذلك بكون مدرسة الرأي العراقية لم تكن على علم كاف بالظروف التاريخية التي وقع فيها نزول القرآن. هناك فرق كبير ملحوظ بين الشرّاح ومتخصصي السيرة ، من ابن اسحاق إلى الطبري.
(١) كان المسلمون الأوائل مشدودين إلى نموذج خيبر ، الذي أكدته الآية ٤١ من سورة الأنفال حيث الغنيمة التي تشمل الأموال المنقولة والعقارية تقسم قسمين يأخذ منها المقاتلة أربعة أخماس ويسلم الخمس المتبقي إلى الرسول لتسديد الصدقات. عمل عمر بهذه القاعدة بالنظر للغنيمة المنقولة فحسب والقابلة للتقسيم والتخميس. ولم يطبق على الأرض مبدأ اقتطاع الخمس ، لأنه لم يتم تقسيمها. فينبغي لذلك التفكير في مصدر أعطيات أهل المدينة المتأتية من المداخيل الاجمالية لا من الخمس. وقد وجب على الفقهاء الذين اضطربوا في الأمر فعقلنوه بعديا ، أن يقبلوا بوجود خطين وسنتين ، سنة الرسول وسنة عمر : ابن سلام ، كتاب الأموال ، ص ٦٠. انظر أيضا البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٥.
(٢) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٤ ـ ٦١٥ ، وص ٥٨٤ ـ ٥٨٥.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٣١ ؛ كان الجيش هو الذي بادر بالأمر.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٠ ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ؛ أبو يوسف ، كتاب الخراج ، ص ٣٥